برسيم العوينات
هل بمكن أن يصل سوء التقدير و التصرف إلي حد قبول مصر التفاوض مع دولتين عربيتين علي شراء 60 الف فدان من الأراضي البكر في منطقة العوينات , كدفعة أولي بسعر يبدأ من 100 جنيه مصري للفدان , علي أن يتم زراعتها بواسطة المياه الجوفية ( المحدودة إحتياطياتها ) و غير قابلة للتجدد ... برسيماً
(نعم .. برسيم ( الصورة علي اليسار
علي أن يتم تصديره إلي مزارع تربية الحيوانات في هاتين الدولتين العربيتين
هذا في الوقت الذي تشتد فيه حاجة مصر إلي كل نقطة مياه لزراعة أرضها حبوباً و محاصيل زراعية تقلل من حجم إعتمادنا في الغذاء علي الأستيراد من الخارج
مع العلم أن أسعار القمح و الحبوب ترتفع أسعارها بشكل جنوني نتيجة إتجاه الدول المصدرة لهذه المحاصيل الإستراتيجية إلي إستثمار مساحات أرضها الزراعية في زراعات محاصيل يذهب إنتاجها إلي تصنيع الطاقة لتوفير أكبر قدر من إستيراد البترول و الغاز اللذين تتصاعد أسعارها إلي حدود تزيد عن حدود كلفة إنتاج الطاقة المولدة من محطات حرارية
أن ترحيبنا بالإستثمار العربي و الأجنبي سياسة لا نقاش فيها , و توجه محمود بالفعل . لأن الإستثمار الأجنبي المباشر يذهب إلي مشروعات إنتاجية و خدمية ترفع من معدلات التنمية إلي حدود ال 7 % سنوياً , و تزيد فرص العمالة و تعوض النقص الحاد في مدخرات المصريين التي تضع حداً لحدود التنمية .
لكن ذلك لا ينبغي أن يتم علي حساب المصلحة المصرية في الأمد المنظور أو البعيد , أو يستنفذ إحتياطيات مصر المائية في زراعات لا تخدم الإقتصاد المصري و لا تدر عائداً مجزياً يجعلنا نقبل بها , و لا تغطي و لو بعض النقص الفادح في إنتاجنا الغذائي الذي يجعلنا أكثر إعتماداً علي الخارج
أن ما يخص مصر من أحتياطات المياه الجوفية غير المتجددة في الخزان النوبي الذي تتقاسمه مصر و ليبيا و تشاد و السودان , في أقصي الركن الشرقي الجنوبي من حدود مصر عند العوينات . لا يزيد علي 67 ألف مليار متر مكعب من المياه , تكفي لزراعة 230 الف فدان علي مدار ما يقرب من مائتي عام , الأمر الذي يفرض ضرورة التصرف في هذه الإحتياطات المائية بحكمة , و يلزمنا زراعة هذه الأراضي بمحاصيل لا تستهلك هذا القدر الضخم من المياه الذي تستهلكة زراعة البرسيم .
لأنه إذا كان معدل إستهلاك الفدان الواحد لزراعة محصول زراعي أساسي ( كالقمح ) يتراوح ما بين 7 إلي 8 آلاف متر مكعب من المياه فإن فدان البرسيم يستهلك أكثر من 21 متر مكعب بمفرده
مما يؤكد سفه التصرف إذا ما تمت هذه الصفقة المعيبة
إننا نعيب علي المسئولين عن الزراعة المصرية , إنهم لم يضعوا قوانين ملزمة تحدد أوجه إستهلاك المياه الجوفية حصراً , بحيث تمنع زراعة المحاصيل الأخري التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الموز و البرسيم
كما أنه هناك حاجة ملحة لوضع ضوابط و قوانين تحد من سفه الأستهلاك الراهن لمخزون المياه الجوفية المحدود و الغير متجدد في مشروعات عقارية تخفت خلف مشروعات سياحية وهمية مثل مشروعات ملاعب الجولف التي تدمر إحتياطيات مصر من المياه الجوفية بصورة لا ترحم , في شكل برك و أنهار صناعية و مسابح تخدم هذه المشروعات
فهل نكرر الخطأ مرة ثانية في مشروع برسيم العوينات لنثبت للعالم كله أننا لا نتعلم من أخطائنا .. و أننا من فصيلة قريبة في تفكيرها من فصيلة آكلي البرسيم !
------------