الميكروباص يعرف أكثر

by Friday, March 28, 2014 0 تعليقات





التوك توك يعرف أكثر

هل انت أحد سعداء الحظ الذين أصابتهم القرعة بجائزة (أن تكون مواطنا مصريا يعيش في مدينة القاهرة الكبرى) ؟
 
إذا كانت الإجابة "نعم" ، فأنت بلا شك قد سألت نفسك –ولو لمرة واحدة في حياتك-  "لماذا يفعل سائقو الميكروباصات ما يفعلونه؟ " . عفاريت الإسفلت بقيادتهم الأكروباتية للسيارة وطموحهم المثابر للقفز في الفراغات الضيقة في تحد مستمر لقوانين الهندسة وسرقة الحارات المرورية والسير عكس الإتجاه والتوقف عن عمد في منتصف الطريق وسرقة الركاب وتصدير بوز السيارة وتمتعهم بأعلى درجة لا مبالاة ممكنة يستطيع الجسد البشري ان يصل إليها من دون أن يتحول إلى دب الباندا
 .
لكن قبل ان نذهب أبعد ، إن كنت قد تحمست لقراءة مقال في ذم عفاريت الإسفلت فأنا أعتذر لك بشدة ، في الحقيقة سأحاول في السطور القادمة أن أشرح أكثر كيف أن سلوك سائقو الميكروباصات - على الطريق و في الحياة عموما – هو أفضل ما يمكن عمله في الظروف المتاحة، تلك المأساة التي يساهمون بفاعلية في رسمها بكل إتقان وتفان هي الصواب بعينه.

عن الطمع ...
احد تعريفات "الطمع" هو: الرغبة الدائمة في الحصول على أكبر قدر ممكن من " الموارد " .

في البدء كان الطمع . قبل بلايين السنين كان ذلك الكائن الحي احادي الخلية يسبح في نقطة ماء ويأكل ، ولأنه لم يكن لديه أي شيء آخر ليفعله أو موارد أخرى يجمعها بإفراط سوى الغذاء ظل (يأكل) بشراهة فكبر في الحجم حتى أصبح –إن جاز التعبير- (كائن حى أحادي الخلية يعاني من السمنة المفرطة) وانشطر إلى نصفين منفصلين لم يتعلم أيا منهما الدرس أو يحاول الحفاظ على حمية غذائية صحية فأصابتهما البدانة بدورهما ومن ثم الإنقاسم وهكذا ، ومع الوقت والتكرار عجت قطرات الماء التي تملأ المحيط بأعداد لا حصر لها من الكائنات احادية الخلية الشرهة التي لا تكف عن الأكل والتكاثر حتى نجح أحفادها بعد بلايين السنين من الطمع والشراهة والتطور في إستعمار كوكب الأرض نفسه .

قالوا قديما أن الولد سر أبيه . وسائق الميكروباص هو إمتداد طبيعي لتلك الخلية الشرهة. هو فقط يريد أكثر ، يريد وقت أكثر ليقوم بعدد دورات أكبر ليحصل على أجرة أكبر .. إلخ إلخ . وهذه الطريقة التي يتبعها يبدو أنها تنجح والدليل ان الوقت الذي يستغرقه المشوار نفسه بالميكروباص هو غالبا أقصر من أي وسيلة مواصلات أخرى تسير على الإسفلت .

حتى القانون الأول والأهم المحفور في عقل كل إنسان والذي نطلق عليه "غريزة البقاء" هو نوع من الطمع . نحن ببساطة نريد المزيد من الوقت . والوقت هو "المورد" الأكثر ندرة على الإطلاق لأنك لا تستطيع أن تراكمه أو تحفظه أو تقوم بتخزينه . ليست هنالك بطاريات وقت قابلة لإعادة الشحن أو ثلاجات مليئة بأكياس الوقت المجمدة. الوقت لا ينتظر أو يرحم أو يقدم تسهيلات في السداد. الوقت هو "المورد" البشري الاعظم والأهم وهو ايضا "الجائزة الكبرى" التي تعد بمنحها أغلب الأديان للمؤمنين . عقبى إيمانك هي أنك ستحيا إلى الأبد. سيتم مكافأتك بأغلى مورد عرفه الإنسان "الوقت" وبكمية لانهائية منه "الأبدية" . ما ستفعله بهذا الوقت اللامحدود يختلف من دين لآخر لكن تظل الجائزة الكبرى هي الوقت في ذاته.

غريزة البقاء مع نمو المستعمرة البشرية ومحدودية الموارد تكتسب بالضرورة صفات أنانية ، فالمعنى المنطقي لإرضاء غريزة الطمع الفطرية في بيئة محدودة الموارد هو أن أعمق من خسارة أكبر عدد من المنافسين مع التحلي بلا مبالاة تجاه معاناتهم لأن " اللي يصعب عليك يفقرك " لذلك يتعمد سائق الميكروباص أن يتوقف في منتصف الشارع مغلقا الطريق على منافسيه و يقفز بسيارته ليسرق حاراتهم المرورية ليمنعهم من تخطيه وليسرق زبائنهم المحتملين.

هناك بالطبع جدلية إجتماعية في موضوع عفاريت الإسفلت . فالأنانية الفردية بدون مراعاه للصالح العام تؤدي حتما إلى إنهيار المجتمع ولهذا كانت الحاجة إلى القوانين المدنية ومن قبلها العادات والاعراف القبلية وغيرها من أنظمة الحفاظ على المجتمعات البشرية لضمان تحقيق أكبر إستفادة ممكنة ومستدامة لأفرادها . وهي جدلية ذات وجاهة بالطبع لكن الظرف المصري الراهن يذهب بحماس نحو غياب تام للدولة وللقانون حيث تتحول الأنانية والطمع إلى صفات حميدة في مجتمع "البوست ابوكاليبس" أو ما بعد إنهيار الحضارة لأنك إن لم تفعل هكذا سيفعلها غيرك . ولا معنى للموت وحيدا أو الإلتزام بقوانين/أخلاق لا يلتزم بها أحد. ولأنهم لم يزعموا أبدا انهم نخبة طليعية تهدف لتحسين المجتمع أو ما شابه فأني أظن أن عفاريت الإسفلت يتعاملون مع واقع يتهاوى وبيئة عشوائية نشأوا فيها بأفضل وسيلة ممكنة .
  ---


الصورة من مدونة الولد اللي بيكتب على قده: هنا

على باب الله

Developer

Cras justo odio, dapibus ac facilisis in, egestas eget quam. Curabitur blandit tempus porttitor. Vivamus sagittis lacus vel augue laoreet rutrum faucibus dolor auctor.