التوك توك يعرف أكثر

هل انت أحد سعداء الحظ الذين أصابتهم القرعة بجائزة (أن تكون مواطنا مصريا يعيش في مدينة القاهرة الكبرى) ؟
 
إذا كانت الإجابة "نعم" ، فأنت بلا شك قد سألت نفسك –ولو لمرة واحدة في حياتك-  "لماذا يفعل سائقو الميكروباصات ما يفعلونه؟ " . عفاريت الإسفلت بقيادتهم الأكروباتية للسيارة وطموحهم المثابر للقفز في الفراغات الضيقة في تحد مستمر لقوانين الهندسة وسرقة الحارات المرورية والسير عكس الإتجاه والتوقف عن عمد في منتصف الطريق وسرقة الركاب وتصدير بوز السيارة وتمتعهم بأعلى درجة لا مبالاة ممكنة يستطيع الجسد البشري ان يصل إليها من دون أن يتحول إلى دب الباندا
 .
لكن قبل ان نذهب أبعد ، إن كنت قد تحمست لقراءة مقال في ذم عفاريت الإسفلت فأنا أعتذر لك بشدة ، في الحقيقة سأحاول في السطور القادمة أن أشرح أكثر كيف أن سلوك سائقو الميكروباصات - على الطريق و في الحياة عموما – هو أفضل ما يمكن عمله في الظروف المتاحة، تلك المأساة التي يساهمون بفاعلية في رسمها بكل إتقان وتفان هي الصواب بعينه.

عن الطمع ...
احد تعريفات "الطمع" هو: الرغبة الدائمة في الحصول على أكبر قدر ممكن من " الموارد " .

في البدء كان الطمع . قبل بلايين السنين كان ذلك الكائن الحي احادي الخلية يسبح في نقطة ماء ويأكل ، ولأنه لم يكن لديه أي شيء آخر ليفعله أو موارد أخرى يجمعها بإفراط سوى الغذاء ظل (يأكل) بشراهة فكبر في الحجم حتى أصبح –إن جاز التعبير- (كائن حى أحادي الخلية يعاني من السمنة المفرطة) وانشطر إلى نصفين منفصلين لم يتعلم أيا منهما الدرس أو يحاول الحفاظ على حمية غذائية صحية فأصابتهما البدانة بدورهما ومن ثم الإنقاسم وهكذا ، ومع الوقت والتكرار عجت قطرات الماء التي تملأ المحيط بأعداد لا حصر لها من الكائنات احادية الخلية الشرهة التي لا تكف عن الأكل والتكاثر حتى نجح أحفادها بعد بلايين السنين من الطمع والشراهة والتطور في إستعمار كوكب الأرض نفسه .

قالوا قديما أن الولد سر أبيه . وسائق الميكروباص هو إمتداد طبيعي لتلك الخلية الشرهة. هو فقط يريد أكثر ، يريد وقت أكثر ليقوم بعدد دورات أكبر ليحصل على أجرة أكبر .. إلخ إلخ . وهذه الطريقة التي يتبعها يبدو أنها تنجح والدليل ان الوقت الذي يستغرقه المشوار نفسه بالميكروباص هو غالبا أقصر من أي وسيلة مواصلات أخرى تسير على الإسفلت .

حتى القانون الأول والأهم المحفور في عقل كل إنسان والذي نطلق عليه "غريزة البقاء" هو نوع من الطمع . نحن ببساطة نريد المزيد من الوقت . والوقت هو "المورد" الأكثر ندرة على الإطلاق لأنك لا تستطيع أن تراكمه أو تحفظه أو تقوم بتخزينه . ليست هنالك بطاريات وقت قابلة لإعادة الشحن أو ثلاجات مليئة بأكياس الوقت المجمدة. الوقت لا ينتظر أو يرحم أو يقدم تسهيلات في السداد. الوقت هو "المورد" البشري الاعظم والأهم وهو ايضا "الجائزة الكبرى" التي تعد بمنحها أغلب الأديان للمؤمنين . عقبى إيمانك هي أنك ستحيا إلى الأبد. سيتم مكافأتك بأغلى مورد عرفه الإنسان "الوقت" وبكمية لانهائية منه "الأبدية" . ما ستفعله بهذا الوقت اللامحدود يختلف من دين لآخر لكن تظل الجائزة الكبرى هي الوقت في ذاته.

غريزة البقاء مع نمو المستعمرة البشرية ومحدودية الموارد تكتسب بالضرورة صفات أنانية ، فالمعنى المنطقي لإرضاء غريزة الطمع الفطرية في بيئة محدودة الموارد هو أن أعمق من خسارة أكبر عدد من المنافسين مع التحلي بلا مبالاة تجاه معاناتهم لأن " اللي يصعب عليك يفقرك " لذلك يتعمد سائق الميكروباص أن يتوقف في منتصف الشارع مغلقا الطريق على منافسيه و يقفز بسيارته ليسرق حاراتهم المرورية ليمنعهم من تخطيه وليسرق زبائنهم المحتملين.

هناك بالطبع جدلية إجتماعية في موضوع عفاريت الإسفلت . فالأنانية الفردية بدون مراعاه للصالح العام تؤدي حتما إلى إنهيار المجتمع ولهذا كانت الحاجة إلى القوانين المدنية ومن قبلها العادات والاعراف القبلية وغيرها من أنظمة الحفاظ على المجتمعات البشرية لضمان تحقيق أكبر إستفادة ممكنة ومستدامة لأفرادها . وهي جدلية ذات وجاهة بالطبع لكن الظرف المصري الراهن يذهب بحماس نحو غياب تام للدولة وللقانون حيث تتحول الأنانية والطمع إلى صفات حميدة في مجتمع "البوست ابوكاليبس" أو ما بعد إنهيار الحضارة لأنك إن لم تفعل هكذا سيفعلها غيرك . ولا معنى للموت وحيدا أو الإلتزام بقوانين/أخلاق لا يلتزم بها أحد. ولأنهم لم يزعموا أبدا انهم نخبة طليعية تهدف لتحسين المجتمع أو ما شابه فأني أظن أن عفاريت الإسفلت يتعاملون مع واقع يتهاوى وبيئة عشوائية نشأوا فيها بأفضل وسيلة ممكنة .
  ---


الصورة من مدونة الولد اللي بيكتب على قده: هنا
Garrett Hardin
في 13 ديسمبر 1968 نشر البيولوجي/عالم البيئة د. جاريت هاردن ( الصورة على اليمين ) ورقة بحثية بعنوان Tragedy of the commons أو "مأساة المشاع" <1>
الورقة البحثية يمكن تلخيصها -بإختزال مُخل- في المثال الشهير الوارد فيها ؛
Death By Snu Snu
في أول حلقات الموسم الثالت من مسلسل الرسوم المتحركة الأمريكي فيوتشوراما Futurama (مسلسل خيال علمي/ كوميدي ) بيحصل لأبطال السلسلة موقف أتهرس في مليون حدوتة قبل كده وهو انهم يقعوا بسفينتهم الفضائية في كوكب النساء . كوكب كل اللي عايشين فيه نساء وتحديدا نساوين مُفترية (اسمهن النساء الامازونيات ) ؛ دولا ستات طوال وعراض وصحتهم حلوة بزيادة ، بيشتغلوا محاربين وقطاعين طرق ، حلوين فشخ وطبعا عندهن كراهية عميقة لصنف الرجالة .
قوم يا سيد النساء الامازونيات دول يمسكوا الرجالة أبطال المسلسل ويمسمروهم في الحيطة بعدين يسألوا البنات اللي كانوا معاهم ( واللي مش ممسمرينهم على الحيطة جنب الرجاله علشان دول بنات ) عن اهمية الجنس العجيب دا اللي اسمه "الدكر" . فيتكسفوا البنات ويوشوشوهن في ودانهم . بعدين يفهم الامازونيات ويقولوا " آه قصدكم ال سنو سنو يعني "
*نفهم من هنا ان ال "سنو سنو" دا اللي هو "النيك" .
ويروح الامازونيات يسألوا الكمبيوتر/الإله بتاعهم " نعمل في الرجاله دول ايه ؟ "
يرد عليهم الكمبيوتر/الإله " قررنا تكون عقوبتهم : سنو سنو حتى الموت "
يقوم الابطال بتوعنا ( وهما متمسمرين على الحيط ) يبتهجوا ويفرحوا ويهنوا بعض . وفي الاثناء دي واحد منهم يزعل على مصيره فيستعجب الباقيين ويسألوه بإستنكار " أحا يا عم مالك انت خول ولا ايه ؟! "
وعقوبة ال "سنو سنو حتى الموت" هي عقوبة الإعدام اللي اظن انو 99.9% من الرجالة هيفضلوها عن الشنق والرصاص والكهربا مثلا .


وفكرة العقوبة ( كما يشرحها مسلسل فيوتشوراما ) هي انك تمارس ال "سنو سنو" مع الامازونيات الحلوين اللي صحتهم حلوة دول لحد ما عضمة الحوض عندك تتكسر وتموت .. الفكرة بشعة ومخيفة مفيش كلام بس الصورة التوضيحية (ج2) اللي تحت الفقرة دي من مشهد في نفس المسلسل بيظهر هياكل احفورية لرجال تم تطبيق العقوبة عليهم وابتسامة الرضا منورة جماجمهم بيوضح انها طريقة إعدام مش بطالة خالص .

ج2

مسألة كوكب النساء أو جزيرة النساء دي فكرة قديمة قوي . وفكك من محاولة تفسيرها بشكل مكلكع زي حوارات فراس السواح بتاعة "المرأة هي أصل البشرية" و تيمة الإلهة الأنثى سبقت الإله الدكر في الوجود و"أنانا وعشتار وحلواني فينوس ونعناع إيزيس" بتاع كتب فراس السواح دا .
أو حوارات الانثربولوجيا بتاعة انو الوعي الجمعي -او اللا وعي الجمعي .. مش متأكد صراحة - بيحاول يسترجع نوستالجيا عصر سيادة المرأة (العصر المتريركي) الأمومي/الأنثوي اللي سبق عصر سيادة الرجل ، العصر الأبوي/الذكوري أو (العصر البطريركي) اللي لسه مستمر معانا لحد ما بقينا حبة عينين سيات الفريق عبفتاح السيسي اللي هيدخلنا معاه إنشا الله (العصر السيسي) بعد ما مصر أم الدنيا تبقى قد الدنيا .
س18

المهم انو فكرة الحياة على جزيرة من النسوان فكرة محببة للذكر . يعني إنعدام المنافسة مثلا .. فيش غير امه قدامك يا بت ، هتحبيه وتدلعيه يعني هتحبيه وتدلعيه . وتحصل منافسة عكسية بينك وبين المزز زمايلك للفوز بيه / أو ( وهو المستحب و المفضل يعني ) يحصل "تيم وورك " ما بينكم و تكتشفوا روح الفريق واللعب الجماعي مع الدكر الأوحد ، ديك البرابر .

علشان كده جزيرة الفتيات الجميلات كانت تيمة مكررة في الادب الشعبي والميثولوجيا والأفلام السينمائية بشكل واسع (الصورة التوضيحية "س18" - شون كونري في دور فتك أفندي جيمس بوند من فيلم you only live twice)

خ7



دا بالنسبة لجزيرة الجميلات ، بالنسبة لأن الجميلات دول جامدين وشرسين وبتوع حرب "المرأة الحديدية" يعني وكده فدا يرجع لأكثر من سبب من ضمنهم الكابتن هيرودت بتاع "مصر هبة النيل" وهوميروس بتاع "الإلياذة" وشوية هتش يوناني يظهر كان مسمع جامد حوار الجيش/القبيلة النساويني دا لدرجة انو فرانشسكو دي اوريلانا قال لك انو شافهم عند حوض نهر في امريكا الجنوبية في منتصف القرن الستاشر قام اتهف في عقله وسمى النهر بأسمهم " نهر الأمازون" .
والامازونيات في الميثولوجي اليوناني كمصطلح بيقول لك معناه قد يكون : الستات اللي من غير بزاز .. وتفنيطتها كالآتي :
 "a-":  meaning "without"
"mazos", meaning "breast"

ودا لأنهم كانوا بيقطعوا ثديهم اليمين كنوع من الصياعة يعني و/أو علشان يسهل لهم النيشان بالقوس والسهم .. بإختصار كانوا نساوين فاقدة ومقطعين بطايقهم . 
*صورة توضيحية (خ7) لأميرة الحرب "زينة" المسلسل الذي كان يُعرض على شاشات التليفزيون الحكومي في التسعينيات . 



المهم خُلاصة الرغي الكتير دا انو عقوبة ال "سنو سنو حتى الموت" دي عقوبة يلزمها نساوين حلوة ، ذات مواصفات جسمانية وعضلية تفوق مستوى الدكر المتوسط ويكونوا بيتميزوا بكراهية غير مبررة لجنس الرجالة وطاعة عمياء للكمبيوتر/الإله بتاعهم .. وإنطباع العقوبة دي على الرجل إنطباع معقد شديد التعقيد خصوصا في المجتمعات المتدينة زي مجتمعنا الشرقي اللي بيقدس الموت إلى درجة الشحتفة ويشتهي الجنس بشحتفة مقابلة . وكل ما كان المحكوم عليه متدين اكتر كل ما كانت الصدمة النفسية والجسدية والعقلية أكبر عند الحكم عليه بعقوبة ال"سنو سنو حتى الموت" 

ولذلك ولأجل كل ما سبق ورغينا فيه أقترح إعتماد عقوبة ال "سنو سنو حتى الموت" كعقاب إلزامي وأوحد لكل من تثبت إدانته بإرتكاب أعمال إرهابية في مصر . 
مصر تحارب الإرهاب وهي مليئة ولله الحمد بالأمازونيات المستعدات جسمانيا وعضليا لخدمة وطنهم وبيكرهوا صنف الرجالة بالفعل وبيطيعوا السيسي و/أو شريف مدكور والشيف شربيني طاعة عمياء . 
كمان مليئة بالإرهابيين اللي بيقدسوا الموت وبيتشحتفوا على ممارسة الجنس وبيعانوا من كبت جنسي ها يفرتك البنطلون زيهم زي اخواتهم على ارض الوطن هتواجهم مشكلة أفلاطونية في مسألة عقوبة ال "سنو سنو" دي . فلو فشل الإرهابي انو يموت أثناء تفجير القنبلة مثلا واتحكم عليه هيستقبل حكم الموت بفرح طمعا في "السنو سنو " بتاع الجنة مع حور العين . لكنه الموت عن طريق عقوبة ال"سنو سنو" على الأرض شيء ها يستمتع بيه لأنو الأنترلوب هيفرتك البنطلون فمهما ضحك على نفسه وقال انو مش هيستمتع بالحكم فهو في الحقيقة ها يستمتع فشخ طيب دا معناه انو بقى مشارك في الجريمة وبقى زاني يعني مفيش "سنو سنو" في الجنة والمفروض طالما هو مُجبر على الأقل ما يستمتعش بس مش هيعرف ميستمتعش ومش هيلحق يتوب علشان الفعل دا ذات نفسه هو اللي هيموته  .. ودا بيؤدي لنتيجة حتمية وهي انو عقوبة ال "سنو سنو حتى الموت" كفيلة بالقضاء على الإرهاب في بر مصر مرة واحدة وإلى الأبد .



هذه "البتاعة" تظهر على إستحياء في مختلف ضواحي القاهرة . ظهورها الأول / ملاحظتي الأولى لوجودها كانت في الشتاء الماضي . في البداية كنت أظنها سماعات موسيقية تُرتدى حول الأذن Headphones ثم أدركت أنها مجرد غطاء لتدفئة الأذنين .





قهوة عادي Café Regular, Cairo

" على مقهى نمطي بالقاهرة يدخل حبيبان نمطيان في حوار شيق قد يكون الإمتحان الأول/ الأهم في علاقتهما "

قهوة عادي : فيلم روائي قصير ، مدته حوالي 12 دقيقة
إنتاج سنة 2012
الفيلم ناطق باللغة العربية . من إخراج "ريتش بيترا" وبطولة "مي أبو زيد" و"علاء عزت" .


- "لا .. لن تهرب مني أيها البحر .. ليس ثانية" 
قالها وهو يهم بسحب حزام الأمان ليربطه حول جسده ثم تراجع عن الفكرة و أدار محرك السيارة 
---
صوب مسدسه الفضائي نحو السيارة السوداء بدقة و ضغط الزناد .. أنارت اللمبة البرتقالية في رأس فوهة المسدس وإنبعثت منه أصوات تكتكة معدنية .. " بوووووووخخخخ " .. ماتت السيارة السوداء .
- "بس يا كيمو ، أقعد كويس على الكنبة و خد كل شيبسي " 
إعتدل في جلسته و أخذ كيس الشيبسي من والدته وأراحه بجانبه على الكنبة ،تطلع إلى قدميه اللَّتَيْنِ تصلان إلى طرف كنبة السيارة الخلفية بالكاد . لاحظ أن أربطة حذائه مفكوكة ولم يهتم .
---
- " انت وقفت هنا ليه ؟ " 
قالتها وهي تعقد ساعديها على صدرها في وضعية دفاعية لا إرادية حاولت ان تبدو عفوية قدر الإمكان وفشلت . كانت ضربات قلبها قد تسارعت فجأة حين إنحرف بالسيارة ليخرج عن الطريق السريع إلى الأرض الرملية قبالة الشاطيء فخرج سؤالها فيما يشبه اللهاث . 
- " مفيش، بس عجبني المنظر وقلت ارتاح من السواقة و نريح العربية شوية " 
 منحها إبتسامة صافية وهو يستطرد ببساطة
- " لو قلقانة ممكن نكمل طريقنا " 
- " لا ابدا ، ثم ان المكان هنا جميل فعلا "
---
 ملل .. ثم ملل .. يعقبه المزيد من الملل ، الوقت لا يمر . يبدو اننا هنا على الطريق منذ الأذل. هذا الشريط الإسفلتي لا نهاية له . الشمس تحفر في مؤخرة رأسي بمثابرة عجيبة و الرطوبة تلعقني بلذة كأنني قطعة آيس كريم .. 
- " انا عايز آيس كريم " 
أرى إبتسامة أبي الجالس خلف مقود السيارة في المرآة ، فأكرر بنبرة أعلى 
- " انا عايز آيس كريم يا كفرة " 
يقهقه أبي و يمسح شاربه وهو يقول 
" الواد بيجيب الكلام ده منين ؟ " 
تلتفت أمي لتواجهني فيتهدل ثدياها في المساحة الضيقة بين المقعدين الأماميين للسيارة و تخاطبني قائلة: 
-" هنجيبلك آيس كريم منين دلوقت ؟! أصبر لما نوصل القاهرة وأتسلى دلوقتي في كيس الشيبسي " 
أنظر إلى كيس الشيبسي ثم أعود أتطلع في صمت عبر النافذة . أريد غير ما أملك و أملك ما لا أريد . هل يمكن لهذه الحياة أن تسوء أكثر !
 ---
 " هاه .. ظننت أنك هربت مني ! .. خَمّن من يأتي إليك الآن " 
همسها لنفسه باللغة العربية الفصحى - كما ظل يفكر و يحلم و يخاطب الجميع منذ شهور - وهو يراقب مشارف البحر تظهر حينا ثم تتوارى من خلف التلال الصخرية على جانبي الطريق المتعرج كالأفعى . 
ضايقته سيارة قديمة تتوسط الطريق الضيق وتسير بحذر مبالغ فيه فأضطر أن يهديء من سرعة سيارته حتى يسمح له الطريق بتخطيها ، ولتكتمل مأساته أطل طفل صغير برأسه من خلف زجاج السيارة الخلفي وظل يصوب نحوه مسدس بلاستيكي. بعد فترة لم يستطع ان يضبط أعصابه فأخذ تليفونه المحمول من فوق تابلوه السيارة و رماه ناحية الولد 
---
كيف تخشى شيء إلى درجة الهلع و تشتاق إليه حتى الشبق في نفس الوقت ! 
على قمة جرف صخري ينحدر إلى البحر جلسا سويا . كان يقبل خدها الأيسر قبلات بطعم الملح ، فيفكر في نفسه أن الموالح من فواتح الشهية .
لسبب ما هدأت ضربات قلبها . هي الآن في كابوسها المُفضل و لم يعد بالإمكان لهذا الموقف أن يصير أسوأ أو أفضل . يلعقها و يهرسها بيديه وهي تنظر إلى البحر و أحيانا إلى السماء لتسمح له بتقبيل رقبتها ، يهمس لها  بكلمات مبهمة لا تميز منها ولا حرف واحد . كانت تنتظر أول قبلة . سبعة وعشرون عاما تضع أحمر الشفاة وتغسل أسنانها بإنتظام و تشاهد الأفلام الرومانسية و تنتظر . 
---
 "أيه اللي خبط ده ؟ " 
سألته بهلع فأجابها بتوتر أنه لا يعرف 
إرتعش صوتها و بدت كانما ستدخل إلى نوبة هستيريا جديدة 
" الصوت كان جاي من ورا . انا خايفة لتكون العجلة ولا تانك البنزين .. أنزل شوف ايه حصل " 
كان يعرف انه لا شيء يدعو للقلق . في الغالب زلطة أو حصوة سقطت من عربة نقل ولكنه قرر أن يتوقف وينزل ليطمئن أكثر وليرتاح من وسواسها المرشح للإستمرار و الزيادة إن لم يريحها و يطمئن على السيارة .
خرج عن الطريق السريع وأوقف السيارة ثم ترجل منها ليستطلع الامر و زوجته تتابعه بعينيها و هي تطمئن أبنها قائلة : 
- " متخافش يا كيمو . مفيش حاجة إن شاء الله " 
أجابها بفخر : 
- " مش خايف .. دا موبايل نوكيا " 
ثم صوب مسدسه الفضائي إلى قمة صخرية بعيدة مُشرفة على البحر و تحديدا نحو شخصين يجلسان فوقها متلاصقين وظهرهما إلى الطريق ... " بوووووووخخخخ " ... إثنان بطلقة واحدة 
 ---
في بقعة رآها مناسبة دهس فرامل سيارته بقوة كأنما يقتل عقربا فأطلقت الإطارات صريرا مدويا ، نزل بسرعة وأخرج من شنطة السيارة سلسلة حديدية ثقيلة حملها و إتجه نحو الشاطيء 
- " إفسح لي مكانا أيها البحر . لا تخبرني ان الوقت غير مناسب . هنالك دائما متسع لصديق قديم " 
ربط السلسلة الحديدية حول خصره و لف ما بقي منها حول كتفه و دخل إلى الماء 

ضمها إليه بقوة فإستسلمت و تأهبت ، نظر إلى عينيها و أخبرها أنه يحبها . كانت تعرف أنه لا يعنيها حقا .. قالها برداءة حتى ان السحلية الجبلية التي تراقبهم بتوتر من بعيد كانت تعرف ايضا أنه لا يعنيها . لا تقل انك تحبني فأنا والسحلية لا نهتم ، فقط إخرس وقبلني 
إنقض على فمها بشهوة و سذاجة فاصطكت أسنانهما ببعضها ، ضربهما ألم حاد فتنافرا يمسك كل منهما فكه

على الطريق كانت الام قد هدأت و أشعل الأب سيجارة و إكتشف الولد كيس الشيبسي القابع بجواره عل الكنبة فأمسكه بيد و ضربه بقبضة يده الأخرى بقوة فإنشق مصدرا صوت طرقعة وتناثرت رقائق البطاطس على ارضية السيارة . إنشغل الأبوين في تعنيف الولد و جمع ما وقع من الكيس فسقطت السيجارة من فم الأب وطاطأ رأسه يبحث عنها وهو يسب أبنه ثم إعتدل كالملسوع على صراخ زوجته و هو يقترب بسرعة من الإصطدام بسيارة خاوية متوقفة في منتصف الطريق . و في الفراغ بين المقعدين الأماميين مد الولد ذراعيه مصوبا مسدسه الفضائي نحو السيارة الخاوية و أخذ نفسا عميقا قبل ان يضغط الزناد لكيلا يخطيء 
 
"هذه المرة أتيت إليك مستعدا ايها البحر .. لا هروب هذه المرة ، لن تستطيع ان تلفظني وانا أربط نفسي بهذه السلسلة الثقيلة ، سوف تتجرعني رغما عنك .. أوتدري ماذا .. أتمنى أن تتسمم "