by
Tuesday, August 07, 2012
2
تعليقات
أحلام العربجية
أدب
الكهرباء
برمائيات
شخابيط
عشوائيات
قصة قصيرة
محاولات
مصر
على الطرف الشرقي للمدينة . تقف عمارة وحيدة من اربعة ادوار وسط مجموعة من العشش الصفيح المبثورة من حولها بلا نظام . أو هي - إن شئت الدقة - نصف عمارة .
أكل صاروخ طائش نصفها ولكنه لم يسقطها . تركها نصف ميتة ، مبقورة البطن إذ صار بإمكانك أن ترى أحشائها .اطراف اسياخ الحديد وقد خرجت من الحوائط المتهدمة تتلوى حول نفسها في إرتباك ،لم تعد تعرف ما عليها فعله بعد أن إنتزعها الصاروخ من مساراتها المحددة داخل الحوائط . و بقايا متهالكة من اثاث غرف النوم و حطام دورات مياه لم تعد تصلح قام أحدهم بنزع ما استطاع من بلاطاتها القيشاني .
على يسار العمارة تمر قناة صرف تعمل كمخر للأمطار و مصرف صحي لفضلات ذلك الجزء الهامشي من المدينة . تنخفض حوائط المصرف الخرسانية نحو خمسة أمتار عن مستوى الأرض و تجري بها مياه رمادية اللون تنشر في الجو المحيط رائحة عفونة خفيفة يعتادها أهل الحي و لا يلاحظها إلا الغرباء.
في الدور الارضي مما بقي من العمارة دكان صغير يحمل لافتة كبيرة يتوسطها إعلان لإحدى شركات المشروبات الغازية بألوان لوحتها الشمس . مكتوب فوقه بخط ركيك " إستراحة عبد الفتاح " . منثور أمام الدكان بضع مقاعدخشبية و طقطوقتان حديديتان واحدة على يسار الباب و الأخرى على يمينه غير مسموح للزبائن بتغيير مكانهما على الإطلاق . و من أجل الحفاظ على هذا القانون خاض عبد الفتاح معارك و خناقات عديدة . إستراحة عبد الفتاح هي أول قهوة يصادفها سواقين عربات النقل بعد طريق صحراوي طويل و مجهد . هي أبعد نتوء للحضر و أقربه للصحراء .
و لهذه الإستراحة قصة طريفة ، فبعد أن ضرب الصاروخ العمارة و هجرها ساكنيها صارت مطمعا للكثيرين . أهمهم شيخ سلفي في أوائل الاربعينيات من العمر إعتاد على إمامة المصلين في إحدى الزوايا القريبة أراد ان يهدمها و يبني على أنقاضها مسجد كبير ، فسخر جل طاقته لذلك و زاد في نبرة صوته تهدج على تهدج و هو يزين لأهل الحي فضائل إقامة بيت لله و يعدد لهم صنوف الثواب و النعم التي سيحصدونها إن ساهموا في إنشاؤه و بدأ بالفعل في الدعوة لجمع التبرعات من مريديه و الأهالي الذين يصلون في زاويته . إلى أن ذهب ذات صباح مع رفاقه ليتفقدوا العمارة و فتحوا باب الدكان بالدور الأرضي فوجدوها تعج بالخنازير . هكذا .. فجأة .. و كانت حتى الليلة الماضية خاوية . إنتشر الخبر بسرعة فتجمع الناس يراقبون جموع الخنازير التي تضيق بها مساحة الدكان الصغيرة و هي تشخر و تتعارك و تتقلب في قاذوراتها . أمر الشيخ أصحابه فأتوا بجركن مليء بالجاز سكبوه على الخنازير متأففين ثم واربوا باب الدكان فألقوا من بين ضلفتيه عود ثقاب ثم أحكموا غلقه بالجنازير و تركوها تشتعل ليلة كاملة . في الصباح أمر الشيخ بإلقاء جثث الخنازير المحترقة في قناة الصرف . فتح أصحابه باب الدكان فوجدوا السقف و الحوائط وقد كستها طبقة سوداء من الصمد و الرماد .. لكن لا أثر للخنازير . فسرت إشاعات تفيد بأن العمارة مسكونة بالجن و العفاريت . وأن الخنازير التي رأوها لم تكن إلا تجليات شيطانية . لكن الحقيقة هي أن أغلب سكان المنطقة فقراء معدمون تمر أغلب لياليهم من دون عشاء و في تلك الليلة نغصت مضاجعهم رائحة الشواء . قرصهم الجوع و أشفقوا على أنفسهم و أطفالهم فتسربوا أفرادا إلى باب الدكان يأخذون ما يستطيعون حمله من اللحم المشوي إلى عششهم . يستلذون بمذاقه و هم يستغفرون ربهم . كانت ليلة ليلاء يذكرها الجميع و لا يتحدث عنها أحد . غط الأطفال في نوم لا يقلقه الجوع و إمتطى كل رجل إمرأته مشحونا بدسم اللحم و لذة الشبع الحرام ثم ذهبوا في الصباح مع الشيخ و دهن اللحم المشوي لايزال يلطخ قمصانهم و كل منهم يؤكد للآخر أن الخنازير المختفية كانت - بكل تأكيد - تجليات شيطانية نجسة .
اما في مسألة المسجد الجديد فقد فترت الهمة بسرعة تماما كما اشتعلت بسرعة و تسائل الناس كيف نصلي في ذات البقعة التي تبرزت فيها الخنازير و أرض الله واسعة ممدودة ؟ و إرتاح أغلبهم للفكرة خصوصا و إنها قد إشتملت على عدم التبرع بالمال أو ما سواه .
و قبل أن ينقضي الشهر كان عبد الفتاح قد إستولى على الدكان فأعاد طلاء الحوائط بنفسه و دون مساعدة و نثر كراسيه و عدته ، علق يافطته و إستبدل الباب المحترق بآخر جديد و سرق وصلة كهرباء يضيء بها كشاف وحيد امام الدكان يشهق في إتجاه الصحراء فيراه سواقين النقل من بعيد كالفنارة و ينجذبون إليه كما تنجذب الفراشات للضوء .
أكل صاروخ طائش نصفها ولكنه لم يسقطها . تركها نصف ميتة ، مبقورة البطن إذ صار بإمكانك أن ترى أحشائها .اطراف اسياخ الحديد وقد خرجت من الحوائط المتهدمة تتلوى حول نفسها في إرتباك ،لم تعد تعرف ما عليها فعله بعد أن إنتزعها الصاروخ من مساراتها المحددة داخل الحوائط . و بقايا متهالكة من اثاث غرف النوم و حطام دورات مياه لم تعد تصلح قام أحدهم بنزع ما استطاع من بلاطاتها القيشاني .
على يسار العمارة تمر قناة صرف تعمل كمخر للأمطار و مصرف صحي لفضلات ذلك الجزء الهامشي من المدينة . تنخفض حوائط المصرف الخرسانية نحو خمسة أمتار عن مستوى الأرض و تجري بها مياه رمادية اللون تنشر في الجو المحيط رائحة عفونة خفيفة يعتادها أهل الحي و لا يلاحظها إلا الغرباء.
في الدور الارضي مما بقي من العمارة دكان صغير يحمل لافتة كبيرة يتوسطها إعلان لإحدى شركات المشروبات الغازية بألوان لوحتها الشمس . مكتوب فوقه بخط ركيك " إستراحة عبد الفتاح " . منثور أمام الدكان بضع مقاعدخشبية و طقطوقتان حديديتان واحدة على يسار الباب و الأخرى على يمينه غير مسموح للزبائن بتغيير مكانهما على الإطلاق . و من أجل الحفاظ على هذا القانون خاض عبد الفتاح معارك و خناقات عديدة . إستراحة عبد الفتاح هي أول قهوة يصادفها سواقين عربات النقل بعد طريق صحراوي طويل و مجهد . هي أبعد نتوء للحضر و أقربه للصحراء .
و لهذه الإستراحة قصة طريفة ، فبعد أن ضرب الصاروخ العمارة و هجرها ساكنيها صارت مطمعا للكثيرين . أهمهم شيخ سلفي في أوائل الاربعينيات من العمر إعتاد على إمامة المصلين في إحدى الزوايا القريبة أراد ان يهدمها و يبني على أنقاضها مسجد كبير ، فسخر جل طاقته لذلك و زاد في نبرة صوته تهدج على تهدج و هو يزين لأهل الحي فضائل إقامة بيت لله و يعدد لهم صنوف الثواب و النعم التي سيحصدونها إن ساهموا في إنشاؤه و بدأ بالفعل في الدعوة لجمع التبرعات من مريديه و الأهالي الذين يصلون في زاويته . إلى أن ذهب ذات صباح مع رفاقه ليتفقدوا العمارة و فتحوا باب الدكان بالدور الأرضي فوجدوها تعج بالخنازير . هكذا .. فجأة .. و كانت حتى الليلة الماضية خاوية . إنتشر الخبر بسرعة فتجمع الناس يراقبون جموع الخنازير التي تضيق بها مساحة الدكان الصغيرة و هي تشخر و تتعارك و تتقلب في قاذوراتها . أمر الشيخ أصحابه فأتوا بجركن مليء بالجاز سكبوه على الخنازير متأففين ثم واربوا باب الدكان فألقوا من بين ضلفتيه عود ثقاب ثم أحكموا غلقه بالجنازير و تركوها تشتعل ليلة كاملة . في الصباح أمر الشيخ بإلقاء جثث الخنازير المحترقة في قناة الصرف . فتح أصحابه باب الدكان فوجدوا السقف و الحوائط وقد كستها طبقة سوداء من الصمد و الرماد .. لكن لا أثر للخنازير . فسرت إشاعات تفيد بأن العمارة مسكونة بالجن و العفاريت . وأن الخنازير التي رأوها لم تكن إلا تجليات شيطانية . لكن الحقيقة هي أن أغلب سكان المنطقة فقراء معدمون تمر أغلب لياليهم من دون عشاء و في تلك الليلة نغصت مضاجعهم رائحة الشواء . قرصهم الجوع و أشفقوا على أنفسهم و أطفالهم فتسربوا أفرادا إلى باب الدكان يأخذون ما يستطيعون حمله من اللحم المشوي إلى عششهم . يستلذون بمذاقه و هم يستغفرون ربهم . كانت ليلة ليلاء يذكرها الجميع و لا يتحدث عنها أحد . غط الأطفال في نوم لا يقلقه الجوع و إمتطى كل رجل إمرأته مشحونا بدسم اللحم و لذة الشبع الحرام ثم ذهبوا في الصباح مع الشيخ و دهن اللحم المشوي لايزال يلطخ قمصانهم و كل منهم يؤكد للآخر أن الخنازير المختفية كانت - بكل تأكيد - تجليات شيطانية نجسة .
اما في مسألة المسجد الجديد فقد فترت الهمة بسرعة تماما كما اشتعلت بسرعة و تسائل الناس كيف نصلي في ذات البقعة التي تبرزت فيها الخنازير و أرض الله واسعة ممدودة ؟ و إرتاح أغلبهم للفكرة خصوصا و إنها قد إشتملت على عدم التبرع بالمال أو ما سواه .
و قبل أن ينقضي الشهر كان عبد الفتاح قد إستولى على الدكان فأعاد طلاء الحوائط بنفسه و دون مساعدة و نثر كراسيه و عدته ، علق يافطته و إستبدل الباب المحترق بآخر جديد و سرق وصلة كهرباء يضيء بها كشاف وحيد امام الدكان يشهق في إتجاه الصحراء فيراه سواقين النقل من بعيد كالفنارة و ينجذبون إليه كما تنجذب الفراشات للضوء .
---