بجماليون
تخبرنا الميثولوجيا الإغريقية عن بجماليون ملك قبرص الرجل الذي برع في فن النحت و وقع تحت شهوة البحث عن المثالية حتى عافت نفسه النساء لأنه و لا واحدة منهم كانت تجتمع فيها صفات الكمال و الجمال المُطلق غير المنقوص الذي تسعى إليه روح بجماليون ، إلى أن نحت بنفسه تمثالاً من العاج لإمرأة جميلة آمن بجماليون أنها أجمل النساء جميعاً فوقع في حب تمثاله الذي صنعه بيديه و تمنى بشدة أن تدب الحياة في هذا التمثال يوماً ما ، و حين رأت فينوس إلهة الحب بجماليون فعطفت عليه و أحيت له التمثال فصار إمرأة جميلة أسماها بجماليون جالاتيا و تزوجها أسطورة بجماليون تناولها الكثير من الفنانين و الأدباء و ربما أشهر تنويعة على الأسطورة هي مسرحية جورج بيرنارد شو التي تحمل نفس الإسم " بجماليون " و التي تحولت لاحقاً إلى فيلم سينمائي و مسرحية غنائية تحت أسم " سيدتي الجميلة " و تم تمصيرها من قبل سمير خفاجي و بهجت قمر بشكل رائع في المسرحية التي تحمل نفس الإسم بطولة فؤاد المهندس و شويكار
مسرحية جروج بيرنارد شو - التي أقرأ نصها الأصلي حالياً لأول مرة بإستمتاع كبير - تحكي قصة رجل أرستقراطي و عالم لغويات يحاول أن يصنع من بائعة الورد تلك الفتاة البوهيمية دوقة مُهذبة راقية
بجماليون في أحد تجلياته هو الشغف .. هو من يضع روحه و قلبه و عقله في شيء و لو كان تمثالاً من العاج فيستحق حتماً أن تكافئه الآلهة ، فللآلهة على إختلافهم عادة مشتركة و هي عطفهم على من يعمل أكثر و يجتهد أكثر و يريد أكثر .. أنظر إلى أي مباراة رياضية ليس صحيحاً أن من يربح هو من يملك العضلات الأكبر و لكنه من يملك الإرادة الأكبر و الدول المتقدمة هي الدول التي تنحت مستقبلها بنفسها
ربما كانت مشكلتنا اليوم أننا شعب بلا شغف ننتظر أن يعود الماضي مرة أخرى لنتمرغ في خيراته في الوقت الذي كان علينا أن نصنع مستقبلنا بيدينا نحن .. أحد أهم مشكلاتنا أننا لا نريد أن ننحت لأنفسنا جالاتيا الخاصة لنعشقها معتقدين أن أي إمرأة أخرى تفي بالغرض
نحن لا نريد أن نكون الأفضل .. ربما نتمنى أن نكون أفضل حالاً مما نحن عليه و لكننا بشكل عام لا نريد أن نكون الأفضل و هذا شيء لا يرضى به أي بجماليون يحترم نفسه
--------------
هوامش : الصورة من ألبوم الفنانة الجميلة نعيمة ظريف