البلطجية كانوا نجوم الشباك في مسرحية إنتخابات مجلس الشعب الماضية ، تمت الإستعانة بخدماتهم بشكل كبير من أول حراسة المؤتمرات الشعبية و الوقوف أمام لجان الإنتخابات لإرهاب المعارضين و شراء أصوات المنتخبين لغاية ضرب الأهالي و مندوبي المرشحين و وصلت حتى لضرب مرشحي مجلس الشعب المنافسين نفسهم زي ما حصل مع سميرة أحمد
بإختصار فترة الإنتخابات كانت موسم رواج و سبوبة حلوة لكل بلطجية مصر المحروسة .. لكن الغريبة أن محدش سأل هو إزاي أصبح تأجير البلطجية سهل قوي كده ؟
خصوصاً و أن مصر بلد أمنية بأمتياز .. و أي سايح بيزورها لأول مرة بيتخض من كمية عساكر الشرطة و أفراد الأمن المركزي اللي مغرقين الشوارع و الأماكن العامة لدرجة تخليك تفتكر أن الحكومة خلاص أعلنت الحرب على الشعب
و بصفة شخصية جمعتني الظروف بثلاثة بلطجية هما اللي عرفتهم و قدرت أتكلم معاهم و هما ( يونس و بلبل و ريشة) قابلتهم على فترات متباعدة في حياتي و طلعت منهم بشوية معلومات
أولاً : و لا واحد منهم كان واخد البلطجة كمهنة و لا عمره بص ليها بالمنطق ده أتنين منهم كانوا حرفيين و واحد قال لي - لما سألته عن صنعته - أنه : "بيأجر مكن و ينتش بيه شنط و سلاسل".. يعني بيسرق شنط السيدات و جواهرهم و يهرب على موتوسيكل
مكانش فيهم حد "فتوة" بالمعنى السينمائي للكلمة ، لكن كانوا في الغالب من المسجلين خطر و أصحاب السوابق و مش ها يفرق معاهم كتير لو دخلوا السجن كام شهر في سبيل أنهم يطلعوا بقرشين لكن كانت ليهم سمعة تؤهلهم للبلطجة على إعتبار أنهم مستبيعين و عيال مخلَّصة
---
ثانياً : البطالة - بكل تأكيد - بتلعب دور شديد الأهمية في الموضوع ، اللي عايز بلطجية بيروح يجيبهم من الشارع أو من على القهوة مش من المصنع أو الورشة .. على الأقل البلطجي لو كان لقى فرصة عمل تضمن له حياة كريمة غالباً مكانش ها يبقى بلطجي---
ثالثاً : الناس عايزه بلطجية ، و دي معلومة بديهية لأن السلعة المطلوبة بيتفتحلها بدل السوق عشرة و بتتخلق للزبون من تحت الأرض حتى لو مكانتش موجودة شاهدت بنفسي أكتر من نزاع تم فيهم الإستعانة بالبلطجية لدرجة أن بعض أنماط النزاعات أصبح البلطجية عنصر أساسي فيها .. و يمكن ينصحك المحامي بالإستعانة بيهم ، مثلاً النزاع على الملكيات ( شقق سكنية و / أو أراضي ) غالباً الشقة اللي بيتنازع على ملكيتها أكثر من شخص بيلجأ أحدهم - على الأقل - لتأجير مجموعة بلطجية تكسر باب الشقة و تقتحمها و تغير الكالون و يخلق أمر واقع جديد أملاً في الحصول على الشقة محل النزاع بوضع اليد أو على الاقل للماطلة و إرهاب الأطراف الأخرى المتنازعة
---
رابعاً : العشوائيات .. كنا زمان بنقول على المناطق اللي أغلبية سكانها من محدودي - و أحياناً معدومي - الدخل : " مناطق شعبية " . صحيح الفقر كان موجود لكن كان في مجموعة أخلاقيات شعبية بيحاول الأهالي التمسك بيها زي الشهامة و الجدعنة و المروءة اللي بتسمح حتى لأبن الأحياء الشعبية أن يكون عنده شيء من الإنتماء و الفخر لأنه ( أبن البلد ) / أو ( أبن الحتة ) .. لكن عشوائيات القرن الواحد و العشرين لا تعرف إلا البلطجة في ظل غياب تام للقانون و سيطرة ثقافة : ( الجنيه غلب الكارنيه ) بمعنى أنه لا شيء مقدس بل الكل مستباح و معروض للبيع في الفاترينة بإنتظار من يدفع أكثر " أعلن لكم اليوم نبأ وفاة شخصية هامة جداً في عالم الفن و هو الذوق العام "
الجملة السابقة قالها موسيقار الأجيال " محمد عبد الوهاب " منذ أكثر من ثلاثين سنة ، و من رحمة الله به لم يمتد عمره ليرى كيف تحول الذوق العام إلى ذوق عشوائي . و تحولت الأحياء الشعبية إلى مساكن عشوائية ( لا يجوز حتى أن نطلق عليها " أحياء " بل " مساكن " ميتة لا ترابط حقيقي بينها ) و الأغاني الشعبية إلى أغاني عشوائية.. و كيف تحولت سيادة القانون و الدستور إلى سيادة الجنيه - اللي غلب الكارنيه - و كيف تحول عسكري المرور إلى متسول ، رجل الشرطة إلى بلطجي ، و البلطجي إلى رجل شرطة خصوصي تحت الطلب
-----------
Moulin Rouge ~ El Tango de Roxanne
---