الرُّؤْيَا 2 .. الكَرْمَة

by Wednesday, July 15, 2009 10 تعليقات
--

--
(الرُّؤْيَا 2.. ( الكَرْمَة

رأيتني في حديقة غناء ، عامرة بشَتَّى صُنُوف النباتات و الأزهار ، رَاقَني تَمازُج الألوان على الخلفية الخضراء ، و في المنتصف رأيت كَرْمَة عَارِشَة تقف شامخة ، وحيدة على رَبْوَة تلفها سَجَّادَةٌ من الحشائش الوَطِيئة ، لم يكن في الحديقة كلها شجرة أُخْرَى سواها حتى خُيِّلَ إليَّ أن تلك الكَرْمَة هي أصل الحديقة ، و ما الحديقة إلا نِتَاج تلك الكَرْمَة ، لها وحدها كانت و من أجلها خُلِقت

كنت أعلم كيف تحتاج شجرة الكَرْمَة لعناية فائقة و تقليم مستمر لأغصانها فهي شجرة برية ، عَصِيّة ذات إرادة حرة تفرد سيقانها كما تحب و تشتهي فتتسلق على الجدران و الأشجار المجاورة و يميل جزعها و يتلوى في رقصة تمتد لسنوات و سنوات ، تفعل هكذا إن لم تهذبها يد الإنسان فتروض جموحها و تستأنسها ، و لكني تعجبت إذ لاحظت أن تلك الكَرْمَة ليست كبقية جنسها ، فجزعها منتصب نَحْو السماء كنصل السيف و أوراقها الكثيفة مفروشة في شكل قُبَّة حول قمتها في تصميم هندسي يَسْتَعْصِي على الطبيعة وحدها أن تجود به

جذبتني الكَرْمَة كالمِغْنَاطِيس فصعدت الربوة نحوها إلى أن إبتلعتني ظلالها و صار صوت حَفِيفٌ أوراقها واضحاً لمسامعي ، أَتْكَأْتُ على جزعها الأملس فتسربت من الشجرة طاقة هادئة لطيفة إستسلمت لها فشعرت بها تسري في يدي و منها إلى ظهري ثم إلى ضفائر أعصابي فتنتشر مع تفرعاتها إلى كل عَصَب في جسدي ، و حين وصلت دَفْعَات الطاقة إلى رأسي شملني خَدرٌ لذيذ و داخلتني طمأنينة لم أعهدها من قبل

عندها دَاهَمْتني الحقيقة ، لسعتني كسَوط من كهرباء ..فرفعت يدي عن الشجرة و تمتمت قائلاً : هي سِدْرة المنْتهَى ، و هذه هي الجَنَّة , مُثقَلاَ بإكتشافي العظيم ، جثوت على ركبتيَّ ، و رفعت رأسي لأَرْنُو إلى الكَرْمَة بعيون مُتسائلة ثم أَجْهَشت بالبكاء إلى أن أتاني صوت أنثوي ناعم فخاطبني قائلاً

" لا تخف .. لا زلت بعد في أول الطريق" -

نظرت فوجدته عَقْرَبُ أسود صغير يقف بيني و بين الكَرْمَة , فأستطرد العقرب قائلاً

" ستؤلمك اللسعة إلى حين و لكنها لن تقتلك " -

راقبته مشدوهاً و هو يقترب مني و يرفع ذَنَبه المسنون عالياً ثم يهوي به على ظهر فَخِذي ، فأنتفضت عروقي من هول الألم و ترددت أصداء صرختي بين جنبات الحديقة

-----



Share/Save/Bookmark

.


على باب الله

Developer

Cras justo odio, dapibus ac facilisis in, egestas eget quam. Curabitur blandit tempus porttitor. Vivamus sagittis lacus vel augue laoreet rutrum faucibus dolor auctor.