إنسل الأمير تحتمس من بين الجموع المحتشدة في القصر الملكي العظيم بممفيس , بخطوات سريعة عَبر بوابة القصر تصحبه نظرات الحراس المتعجبة ثم وقف لبرهة فوق عتبة السلم الكبير فشخص ببصره إلى الشمس الوليدة و هي تتحس بأناملها النورانية أهداب الظلام .. إلى رع .. الإله عينه الذي من أجله قَدِمت الجموع و على أسمه أُقيمت الإحتفالات
كان يعلم جيداً أن أمنحتب والده الحبيب و ملك أرض مصر المقدسة سيكتشف سريعاً غيابه عن الإحتفال الكبير , سيفتقد وجوده و لكنه لن يغضب و لن يعَنَّفَه حين يراه لأن الفرعون الحكيم كان يعرف أبنه جيداً .. يُعجب بشجاعته و روحه المتوثبة , بشغفه الكبير لرياضات الحرب و فنون الصيد و عشقه للصحراء و المغامرة
كان يعلم أيضاً أن أخوته لن يفتقدوه , فالحسد الذي تسكت أفواههم عنه كثيراً ما تصرخ به العيون و النظرات , فلقد إعتاد مُصطفي أمنحتب على مؤامراتهم و دسائسهم , حفظته الآلهة حين حاولوا إغتياله و حفظت له حب أبيه حين أشاعوا عنه أخبارهم الخبيثة الكاذبة
ركب الأمير عربته و اصْطَحَبَ معه إثنان من الخدم و خرج ليصطاد في أطراف الصحراء , مَرَّ على طريق سقارة الوعر حيث هرم زوسر المُدرج ثم صعد أميالاً جهة الشمال و لكن طريقه بَقِيَ مُوازياً للنهر المقدس
كان الأمير قد وصل إلى بقعة غير بعيدة عن أهرامات الجيزة حين إنتصف النهار و أشتدت حرارة الشَّمْس فجلس الأمير و خادماه يطلبون شيئاً من الراحة تحت ظلال النخيل ، ثم ترك الأمير خادميه يستريحان تحت نخلة و اِخْتَلَى بنفسه عازماً أن يرفع صلاته إلى الإله حورس الذي كان َيُؤْثِرُ له عاطفة خاصة دوناً عن بقية الآلهة , و في خلوته تلك و إذ كان ينشد صفاءاً لروحه لاحظ قمة تمثال تبَرِّزُ من تحت الرمال في بقعة غير بعيدة عن الهرم الثاني .. إقترب لينظر فوجدها نصف رأس و قمة كتف لتمثال أبي الهول .. لم يكن التمثال في ذاته غريباً عن الأمير و لكن الإهمال الذي أصاب التمثال هو الذي آلمه , تعجب كيف تركوه بلا عناية إلى أن كادت تلتهمه كثبان الرمال
كان أبو الهول رمزاً لمحبوبه حورس .. إله الشمس الصاعدة مُتجسداً في شكل أسد .. و هي الهيئة التي تجسد بها حين كان يطارد أتباع المعبود سيث أما الرأس البشرية التي تكلل جسد الأسد فهي للملك خفرع الذي كان قد أمر المهندسين أن ينحتوا ملامح وجهه بدقة على جسد الأسد حورس
تأمل الأمير رأس التمثال بحزن شديد ثم لمعت عينا التمثال كأنما دبت فيهما الحياة و أنتفض ثعبان الكوبرا الذي يزَيْن التاج فبدأ يتلوى و يتراقص كعادة الثعابين
دب الخوف في قلب الأمير و هم بالهرب فأستوقفه التمثال إذ ناداه بصوت قوي قائلاً
تحتمس .. أمير أرض مصر .. أنظر إليَّ.. و لا تخف
انا هو حورس أبوك .. و أب كل فراعنة أرض مصر المقدسة
إنها مشيئة الآلهة أن تكون أنت فرعون مصر , قدرك أنت أن تحمل رأسك التاج المزدوج .. تاج الشمال و الجنوب
سيأتي كل عظيم ليركع تحت قدميك .. من الشرق إلى الغرب يعرفون أسمك
أنظر ... لقد حولت وجهي تجاهك , يخبرني قلبي بصدق حبك و سلامة نواياك , لهذا أريد أن تتحد روحي مع روحك
و لكن .. أنظر يا بُنيَّ .. كيف أحاطت بي الرمال .. جَذَبتني لأسفل حتي كدت أختنق بعيداً عن العيون في بئر النسيان
يا بُنيَّ .. إن اقتربت مني .. أكون معك إلى الأبد
أرشدك في الطريق طوال سنين حياتك .. أرفع أسمك فوق الكل
تكون أنت أبني .. و أكون أنا أبوك
ثم أنبثق نور عظيم من عيني التمثال فأغلق الأمير عينيه إذ لم يعد يقدر أن يرى من شدة النور .. و غاب عن الوعي لساعات حتى أفاق عند الغروب فركع على ركبتيه امام وجه التمثال الذي صبغته شمس الأصيل باللون الأحمر و صرخ قائلاً
" حورس .. أبي "
فلتكن شاهداً يا أبي على قسمي هذا الذي عزمت على أن أوفيه
حين أصبح ملك أرض مصر .. سيكون تخليصك من تلك الرمال هو باكورة أعمالي .. و إبتداء صنائعي
سأبني لك معبداً يليق بأسمك .. سأنحت على صخرة في وسطه قصة تلك الرؤيا و ذلك العهد
----------
عاد تحتمس إلى ممفيس
سريعاً جداً .. أعلنه أمنحتب وريثاً للعرش وسط إعتراض إخوته الخمسة و بعض الكهنة الموالين لهم
ثم أصبح تحتمس ملك أرض مصر بعد أن توفى والده في سن مبكرة
و بعد ثلاثة إلاف سنة عثر المنقبون على تمثال أبو الهول
و بين يداه وجدوا بقايا مَعبد للإله حورس .. بداخله كان هناك لوح جرانيتي طوله 14 قدماً مكتوب عليه بالهيروغليفية قصة تلك الرؤيا
و مكتوب أيضاً
انا تحتمس أبن حورس ملك جميع أرض مصر
ها أنا أفي بوعدي لك يا أبي
ها قد رفعت أسمك بين الآلهة
في الشهر الثالث من السنة الأولى لحكمي .. أتممت باكورة أعمالي و اخرجت تمثالك بالكامل من بين الرمال
-----
: هَوَامِش
الأمير هنا هو الملك تحتمس الرابع
الأب هو أمنحتب الثانى ابن الملكة ميريت-رع والملك تحتمس الثالث
شاهد صورة اللوح الأثري الذي يروي تفاصيل هذه الرؤيا من هنا
بالأسفل Eternal Egypt لقراءة المزيد من القصص التاريخية إضغط على رابط
----
MA SOLITUDE - SERGE REGGIANI