صدمني خبر ظهور مرض الكوليرا في العراق
" الكوليرا في العراق تمتد جنوباً: تسجيل أول حالة في البصرة"
( و يمكنك أن تشاهد رابط الخبر من : ( هنا
بعدما قرأت الخبر تذكرت قصيدة ( الكوليرا ) للشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة
و هذه القصيدة ربما تكون هي أول قصيدة تكتب بنظام الشعر الحر
كما أن هذه القصيدة كانت هي أول قصيدة أقرأها لنازك و كنت لا أزال في الصف الأول الثانوي
و لا أعرف تحديداً.. لماذا وقعت في غرامها .. و كانت بوابتي لإكتشاف ذلك العالم الساحر الذي تأخذك إليه نازك الملائكة
: و الشاعرة تصف حالة المصريين و معاناتهم من وباء الكوليرا الذي إجتاح البلاد
و تقول عن تلك القصيدة
كانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة (الكوليرا) وكنت قد نظمت تلك القصيدة 1947 أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي دهمها وقد حاولت فيها التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في "ريف مصر. وقد ساقتني ضرورة التعبير الى اكتشاف الشعر الحر
لاحظ أن نازك كانت شاعرة عراقية .. و اليوم العراق نفسه يواجه مخاطر تفشي وباء الكوليرا
لكننا نتمني أن لا تمر العراق بما مرت به مصر من صراع طويل و مرهق مع هذا الوباء اللعين
و نتمني أن تظل قصيدة ( الكوليرا ) قصيدة تحكي عن الماضي .. و الماضي فقط
قصيدة - الكوليرا ( نازك الملائكة )1947
الكوليرا
سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى, موتَى, لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ