لكي نفهم فكرة إنتخابات مجلس الشعب المصري القادمة ( 28 نوفمبر 2010 ) علينا أن نتذكر إنتخابات مجلس الشعب الماضية ( دورة 2005 ) حين أصاب المستقلون و جماعة الإخوان الحزب الوطني بضربة موجعة فلقد إنتهت الجولة الأولى من انتخابات برلمان 2005 بفوز ضعيف لمرشحي الحزب الوطني الرسميين بـ67 مقعدًا، وفوز كبير للمستقلين عمومًا بنسبة مقاعد بلغت إجمالا قرابة 67 مقعدا .. و لكن سرعان ما تغير الوضع حين تحول أغلب المستقلين ( 49 نائباً ) إلى وطنيين فارتفع عدد مقاعد الحزب سريعا إلى 113 نائبًا ثم إنتهت الدورة بأغلبية مريحة للحزب الوطني بحصوله على 325 مقعد من أصل 454 هو إجمالي عدد مقاعد البرلمان المصري و حصلت جماعة الإخوان المسلمين على 88 مقعد و أحزاب المعارضة على 14 مقعد فقط
المستقلون في 2005 هم في الغالب النواب الذين لم يختارهم الوطني للترشيح فإنشقوا لدخول الإنتخابات كمستقلين و نجحوا بأعداد كبيرة خارج عباءة الوطني الذي عاد و دعاهم مرة أخرى للإنضمام إليه - بعد نجاحهم الذي لم يكن الحزب جزءاً منه- فقط ليتمكن من الإحتفاظ بأغلبية مريحة
و لأنه لا أحد ينضم للحزب الوطني إيماناً بمبادئ الحزب ذاته ( إن وجدت ) كما يفعل أي مرشح برلماني حزبي في دول العالم المتقدم و الغير متقدم فالمعيار الوحيد للإنضمام للحزب الحاكم هنا هو المصلحة الشخصية التي سيحققها النائب تحت مظلة الحزب و التسهيلات التي سيحصل عليها عبر كونه مرشح الحزب الحاكم .. و هذا ليس سراً بأي حال من الأحوال
و لأن الحزب الوطني صار يعرف جيداً هذه المعلومة و يعرف أن مرشحيه لا يهمهم الحزب في ذاته إلا عبر كونه الوسيلة التي ستحقق لهم مصلحة أكبر في حملاتهم الإنتخابية و طريقهم للوصول لمقعد في البرلمان فلقد قام الحزب بتأجل إعلان أسماء مرشحيه إلى آخر وقت مع تطمين الجميع و الهمس في أذن كل طالب ترشيح بأنه " هو اللي على الحجر و هو اللي عليه العين " لأنه يعرف أيضاً أن المتقدمين بطلبات الترشيح في قوائم الحزب إن تم رفضهم سيلجأؤون إلى الترشح كمستقلين كما حدث في الإنتخابات الماضية و يدخلون في المنافسة مع مرشحي الحزب نفسه .. و لذلك فإعلان ترشيحات الحزب جاء متأخراً ليقطع الطريق على المستبعدين من الذين تقدموا بطلبات الترشيح للحزب و يحرمهم من فرصة الإنقلاب على الحزب الذي إستبعدهم و بالتالي إنتفت مصلحتهم الشخصية بالإنصمام إليه
و تفسر نظرية ( مصلحتي أولاً ) كيف هاجم المستبعدين الحزب الوطني بشراسة بعد أن ظهرت نتائج المجمعات الإنتخابية بيوم واحد بل و صرح بعضهم أنه سيقف مع مرشحي الإخوان المسلمين ضد الحزب الوطني .. هكذا ينتقلون من النقيض للنقيض بكل بساطة لمجرد أن مصلحتهم الشخصية مع الحزب إنتهت
و لأن هنالك - للأسف - عدد محدود من الكراسي و عدد غير محدود من المشتاقين بداخل الحزب الوطني ذاته كان من المستحيل أن تقتصر ترشيحات الحزب على مرشح واحد لكل كرسي .. و الإستحالة هنا سببها أن أصحاب طلبات الترشيح شعارهم هو " مصلحتي أولاً " لأن من البديهيات الإنتخابية في العالم المتحضر و الغير متحضر أن يجتمع الحزب على إختيار مرشح واحد لكل مقعد فيضمن ألا تتفتت أصوات أعضاء الحزب الواحد على مترشحي الحزب المتعددين مما يصب في مصلحة الخصوم
و لكننا لا نتكلم هنا عن حزب حقيقي يؤمن أعضاؤه ببرنامجه و يدينون له بالولاء و بالتالي يساندون من يختاره الحزب ليمثلهم و لكننا نتكلم عن " تكية " يقف أمامها جيش من المشتاقين
لذلك تفتق ذهن الحزب الوطني عن بدعة ترشيح أكثر من مرشح على نفس المقعد - و هي بدعة أعتقد أنها لم تحدث من قبل في دول العالم المتقدم و العالم المتأخر - و السماح لمرشحى الحزب بالترشح ضد بعضهم البعض فى حوالى 40 دائرة تضم ما يقرب من 800 مرشح من حزب واحد ، حتى وصل الأمر لترشيح خمسة مرشحين لنفس الحزب في دائرة واحدة ( إدفو ) في مهزلة سياسية قد يدخل بها الحزب الوطني موسوعة جينيس ريكوردز للغباء السياسي
أما عن مشكلة الإخوان المسلمين ( الأقلية الأكبر في البرلمان ) فيبدو أن الحزب الوطني سيحاول إستبدالها بأقلية مُستأنسة أكثر و هي حزب الوفد الذي يشفع له تاريخه الليبرالي العريق و قيادته الحالية الموالية للحكومة - ولو سراً - لإحتلال هذه المكانة
الكاريكاتير من جريدة المصري اليوم |
------------------------