حريق القاهرة

by Thursday, August 21, 2008 8 تعليقات
حريق القاهرة

(بقلم حمدى رزق ( المصري اليوم
طبعة جديدة مزيدة ومنقحة.. مرعب، مخيف، ما تحمله تلك النفوس القانطة لهذا البلد من كراهية وحقد، لا قبل لنا بما يعتمل في تلك النفوس من رغبات دفينة في الثأر والانتقام والتحطيم، فحيح يفج لهيباً يلفح الوجوه، ما سمعته بأذني من الجموع المحتشدة علي الرصيف للفرجة علي حريق مجلس الشوري مريع، الناس شمتانة في البلد، في الحكومة، في الحزب

ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر علي قلب مصري، أن تتجمع علي الرصيف كل هذه الأحقاد بلا اتفاق مسبق، جمعهم حريق في عرض الطريق، كلماتهم كالرصاصات تخترق القلب، ترديك قتيلا في حب مصر، دعوات تسم البدن الغارق في عرق الحريق الذي ينداح لزجاً خلف الظهر تاركا إحساسا كريها بالانكسار

تسمع عجبا، تسمع الرعد في ودانك، رغبات تتشفي: يستاهلوا، خليها تولع، من الظلم، ربك منتقم جبار، إلهي تمتد إلي مجلس الشعب، حظهم إن المجلس في إجازة، كنا خلصنا منهم وارتحنا، الظلم له نهاية، ومع ارتفاع ألسنة اللهب في الهواء، النار تصهلل، والألسنة تفرقع كالسياط تلهب الظهور المحنية في حنان علي رمز تاريخي يحترق

تفرغ بعضهم للتصوير بالموبايل، فوتوغرافيا وفيديو، مقاطع حية صورتها نفوس ميتة تبث النار تصطلي علي «اليوتيوب» وتتشفي في مصر علي المدونات، حريق في مصر، يتقافزون مستثارون في صخب، حريق مباشر من شارع قصر العيني، استدعاء الشلل من البيوت والكافيهات والمقاهي، مصر بتولع يا جدعان

مستقبل هذا الوطن الأسود شاهدته علي الرصيف، لا فزع ولا جزع ولا خوف ولا يحزنون، قهقهات فارغة من المحتوي، وتعليقات خالية من المضمون، سخرية مُرة من كل شيء، من العسكري الغارق في الوحل يفسح الطريق لسيارة مطافي تحاول اللحاق بما تبقي قائما في المبني، نكتة حراقة في قفا ضابط يبلغ ملتاعا علي اللاسلكي آخر المواقف، تعليقات فاجرة تفجر قهقهات شيطانية تذبح ما تبقي من خشية علي تاريخ يحترق أمام أعيننا

هؤلاء لا علاقة لهم بالتاريخ ولا بالجغرافيا، اجتمعوا علي حفلة شواء، حفلة منتصف الليل، تقطيم وتلويم وجلد لكل من يدب علي الأرض يكافح النيران، خراطيم التريقة كانت أقوي من خراطيم المياه، تكفي لإحباط الحريق لو سُلطت عليه من علي الرصيف

أضغاث أحلام رسمت خططاً لخط النار، النار تنتقل إلي مجلس الشعب، ثم إلي مجلس الوزراء، ووزارة التموين، ومسرح السلام، وتتجه عكس اتجاه الريح إلي الجامعة الأمريكية والمتحف.. انتقام رباني، قالها عجوز خرب الأسنان حاول أن يجاري الشباب شماتتهم ، حريق الشوري أقوي من حريق القاهرة، مثقف علق ضاحكا: حريق القاهرة طبعة جديدة مزيدة ومنقحة، ها ها ها هاي

علي مقاهي شارع قصر العيني قضيت أسود ليلة في حياتي، أنظار شاخصة للبث المباشر الذي تولته قناة النيل للأخبار، ومع أنفاس الشيشة يخرج كلام ملغوم بالكراهية، كلام يوجع، كلام بيشوي مثل مية النار، يارب تولع، خربوها وقعدوا علي تلها، بكره صاحبنا ياخد المقاولة، وعندما أعلن المذيع امتداد النيران إلي متحف مجلس الشعب، تجشأ أحدهم ما في جوفه: كلها ساعتين ومجلس الشعب يولع، ويبقي سرور زي صفوت - يقصد رئيسي مجلسي الشعب والشوري

علي الموبايل تتلقي عجباً، كانوا ينتظرون انهيار المبني بفارغ الصبر للاحتفال بحريق القاهرة علي الرصيف


على باب الله

Developer

Cras justo odio, dapibus ac facilisis in, egestas eget quam. Curabitur blandit tempus porttitor. Vivamus sagittis lacus vel augue laoreet rutrum faucibus dolor auctor.