شروق و غروب
---
-------------------------------------------------------
في عصر الرعامسة ( نسبة إلي رمسيس , أو رع رمسيس ) تتحدث البرديات المصرية عن حادثة قام بها العمال القائمون علي بناء العمائر الملكية في مدينة هابو , في الجانب الغربي من طيبة حيث معبد الملك رمسيس الثالث
كان العمال يقيمون بالقرب من ذلك المكان في مدينة خصصت لهم مع أولادهم و زوجاتهم و عائلاتهم
و هو تقليد متبع في ذلك الوقت .. كمدينة عمال أهرامات الجيزة التي تقع بجوار الأهرامات
و كانوا يتسلمون رواتبهم و حصصهم التموينية كل شهر
و تدل مخلفات مدينتهم السكنية بالقرب من مقار أعمالهم و كذا مقابرهم الشخصية علي إنهم كانوا أحسن حالاً من غيرهم في ذلك الوقت , و أنهم كانوا في العادة يجزون في مقابل أعمالهم
و حدث عندما تأخرت رواتبهم أكثر من مرة و نفذت خزائنهم التموينية , و نفذ معها صبرهم .. أن نظموا مظاهرة كبيرة و أجتازوا المنطقة حيث يسكنون , و وصلوا خلف معبد تحتمس الثالث , و لم تجدي معهم تهديدات الموظفين و لا الكهنة
و في اليوم التالي وصلوا إلي الباب الجنوبي لمعبد الرمسيوم ( المعبد الجنائزي لرمسيس الثاني ) و في اليوم الثالث لإضرابهم و تظاهرهم أستطاعوا أن يقتحموا المعبد , فأتخذ الأمر صورة خطيرة , و حاول الكهنة من جديد تهدئة العمال الثائرين
و لكن العمال كانوا يهتفون قائلين : أننا جياع ... أرسلوا إلي الملك .. إرسلوا إلي الوزير
و أثمرت تهديداتهم فعلاًَ .. فتسلموا مقررات شهر .. و بعد إنقضائه عادوا إلي العمل ثانية
و لكن أحوال البلاد كانت تسير من سيء إلي أسوأ .. و بعد فترة أنقطعت حصصهم التموينية بشكل متكرر ثانية
فأضطروا بعد فترة أن يلجأوا إلي الإضراب و التظاهر مرة أخري .. و بصورة أوسع و أشد
مما دفع الوزير إلي أن يتدخل شخصياً هذه المرة و أعطاهم ما أستطاع و لكنه قليل
--
الوزير : ( هو منصب فرعوني .. يوازي تقريباً منصب رئيس الوزراء حالياً فالوزير كان هو الذي يسيطر علي خزائن الدولة و مخازنها , و هو المشرف علي إقامة العمائر الملكية و علي إعاشة الجيوش الجرارة من العمال و المهندسين و علي مخازن الأسلحة و هو رئيس الشرطة الأعلي و هو الذي يستقبل الوفود الأجنبية و يشرف علي الدخل العام و علي إستلام الجزية من الأقاليم و فوق كل ذلك كان كبير القضاة )
-----
ليست هناك فوضي خلاقة .. و أخري غير خلاقة .... إنها فقط فوضي
------------------------------------------------------------------------
و الواقع أن الدولة المصرية حتي ذلك الحين كانت قد تخطت كل مراحل الشباب و القوة , و وهنت قواها فآذنت شمسها بالمغيب و تتحدث البرديات المنسوبة إلي عصر الرعامسة المتأخر ( برديات أبوت , أمهرست , ليوبولد و ماير ) عن عصابات قامت في هذه الفترة بغرض السطو علي المقابر الملكية في طيبة
فلقد سادت شائعات أيام حكم الملك رمسيس التاسع ( من الأسرة العشرين ) عن سرقة مقابر الملوك
و أن عمال الجبانة و موظفيها قد أضحوا لصوصاً للمقابر طمعاً في الربح و الثروة
و أنتشر الفساد في البلاد و جعل ينخر في عظامها و ينهك خزائنها
تهمة .. لم تثبت إلي الآن
----------------------------
أستغل حاكم القسم الشرقي لطيبة خصومته مع حاكم القسم الغربي , و أرسل بلاغاً للوزير عن السرقات , حينئذ أمر الوزير بإرسال لجنة للتحقيق في الأمر و قبض علي بعض من صغار الموظفين و قدموا للمحاكمة
إلا أن حاكم القسم الشرقي لم يقتنع بتلك النتيجة , بل كان يتهم حاكم القسم الغربي بأشتراكه شخصياً في السرقات , و أنه حاول أن يغطي موقفه أمام اللجنة التي أرسلها الوزير بتسليمها بعض صغار الموظفين ككبش فداء
فكتب حاكم القسم الشرقي مرة أخري للوزير تقريراً ضمنه أتهاماته , فأمر الوزير بعقد المحكمة الكبري في قاعة العدالة بطيبة و كانت تتألف من الوزير ( بصفته كبير القضاة ) , ثم طرفي الإتهام و الإدعاء و كاهنين كبيرين هما الكاهن الأكبر لمعبد رمسيس الثالث في مدينة هابو , و أثنين من الموظفين من ذوي الرتب العسكرية الكبيرة
و علي الرغم من ذلك لم تثبت إدانة حاكم القسم الغربي .. و لم تثبت عليه التهمة إلي وقتنا هذا
-------
الهجرة إلي الدير البحري
-----------------------------
-----------------------------
و لكن السرقات لم تنقطع , فبعد ذلك بثلاث سنوات سرقت مقابر الملوك في وادي الملوك و قبض علي ستين متهماً من عتاة المجرمين , و أدينوا ..و لم يكونوا هذه المرة من الفقراء بل كان بينهم أحد كهنة آمون و كاتب خزينة آمون , و كاهن معبد خنسو ( كلمة تعني : القمر ) و كان معبد المعبود سبك ( التمساح ) و غيرهم من العاطلين الذين قاموا بسرقة خزينة معبد الملك رمسيس الثالث إلي جانب نهب مقابر الملوك
و وسط الحالة الإقتصادية المتردية التي عمت البلاد ... لم يستطع رجال الأمن أن ينقذوا المقابر من مصيرها المحتوم , ففكر الملوك الكهنة ( زمن الأسرة الحادية و العشرين ) في إنقاذ جثث الملوك علي الأقل , فجمعوها بعد أن فُتحت مقابرها و أنتهكت من قبل رغم محاولة إخفاء معالمها في جبل طيبة الغربية
و أختاروا لها حفرة عميقة في موقع غير بعيد عن وادي الملوك يعرف حالياً بأسم ( الدير البحري ) و أستقرت فيه جثث الملوك ... سقنن رع , أحموسي , أمينوفيس الأول , تحتمس الثاني , و الثالث , و رمسيس الأول و سيتي الأول و رمسيس الثاني و الثالث
و حفظت في مكانها حتي كشف عنها النقاب أحفاد هؤلاء الملوك عام 1871 م .. و أمتدت أيديهم إليها , ينتزعون منها ما يمكن عرضه بأثمان باهظة ليباع في تجارة الآثار
و أحتفظت تلك العائلة التي أكتشفت تلك الآثار بالسر حتي وصلت أخبارها إلي الحكومة المصرية عام 1881 م نتيجة خلاف بين أفرادها علي توزيع الغنيمة , ثم نقلت المومياوات و ما تبقي من الآثار غير المهربة إلي المتحف المصري في إحتفالية كبيرة
-------------------------
المصادر :
1- كتاب صفحات مشرقة من تاريخ مصر
2-Turin Papyrus from Ancient Egypt
3-Workmen at Thebes in the Ramesside Period.
1- كتاب صفحات مشرقة من تاريخ مصر
2-Turin Papyrus from Ancient Egypt
3-Workmen at Thebes in the Ramesside Period.
-------------------