شروق و غروب

by Sunday, February 17, 2008 24 تعليقات
شروق و غروب


---


إننا جياع ... أرسلوا إلي الملك .. أرسلوا إلي الوزير
-------------------------------------------------------


في عصر الرعامسة ( نسبة إلي رمسيس , أو رع رمسيس ) تتحدث البرديات المصرية عن حادثة قام بها العمال القائمون علي بناء العمائر الملكية في مدينة هابو , في الجانب الغربي من طيبة حيث معبد الملك رمسيس الثالث

كان العمال يقيمون بالقرب من ذلك المكان في مدينة خصصت لهم مع أولادهم و زوجاتهم و عائلاتهم

و هو تقليد متبع في ذلك الوقت .. كمدينة عمال أهرامات الجيزة التي تقع بجوار الأهرامات

و كانوا يتسلمون رواتبهم و حصصهم التموينية كل شهر


صورة لبقايا مدينة من مدن العمال الفرعونية

و تدل مخلفات مدينتهم السكنية بالقرب من مقار أعمالهم و كذا مقابرهم الشخصية علي إنهم كانوا أحسن حالاً من غيرهم في ذلك الوقت , و أنهم كانوا في العادة يجزون في مقابل أعمالهم

و حدث عندما تأخرت رواتبهم أكثر من مرة و نفذت خزائنهم التموينية , و نفذ معها صبرهم .. أن نظموا مظاهرة كبيرة و أجتازوا المنطقة حيث يسكنون , و وصلوا خلف معبد تحتمس الثالث , و لم تجدي معهم تهديدات الموظفين و لا الكهنة


و في اليوم التالي وصلوا إلي الباب الجنوبي لمعبد الرمسيوم ( المعبد الجنائزي لرمسيس الثاني ) و في اليوم الثالث لإضرابهم و تظاهرهم أستطاعوا أن يقتحموا المعبد , فأتخذ الأمر صورة خطيرة , و حاول الكهنة من جديد تهدئة العمال الثائرين



معبد الرمسيوم

و لكن العمال كانوا يهتفون قائلين : أننا جياع ... أرسلوا إلي الملك .. إرسلوا إلي الوزير

و أثمرت تهديداتهم فعلاًَ .. فتسلموا مقررات شهر .. و بعد إنقضائه عادوا إلي العمل ثانية

و لكن أحوال البلاد كانت تسير من سيء إلي أسوأ .. و بعد فترة أنقطعت حصصهم التموينية بشكل متكرر ثانية
فأضطروا بعد فترة أن يلجأوا إلي الإضراب و التظاهر مرة أخري .. و بصورة أوسع و أشد


مما دفع الوزير إلي أن يتدخل شخصياً هذه المرة و أعطاهم ما أستطاع و لكنه قليل

--

الوزير : ( هو منصب فرعوني .. يوازي تقريباً منصب رئيس الوزراء حالياً فالوزير كان هو الذي يسيطر علي خزائن الدولة و مخازنها , و هو المشرف علي إقامة العمائر الملكية و علي إعاشة الجيوش الجرارة من العمال و المهندسين و علي مخازن الأسلحة و هو رئيس الشرطة الأعلي و هو الذي يستقبل الوفود الأجنبية و يشرف علي الدخل العام و علي إستلام الجزية من الأقاليم و فوق كل ذلك كان كبير القضاة )
-----



ليست هناك فوضي خلاقة .. و أخري غير خلاقة .... إنها فقط فوضي
------------------------------------------------------------------------


و الواقع أن الدولة المصرية حتي ذلك الحين كانت قد تخطت كل مراحل الشباب و القوة , و وهنت قواها فآذنت شمسها بالمغيب و تتحدث البرديات المنسوبة إلي عصر الرعامسة المتأخر ( برديات أبوت , أمهرست , ليوبولد و ماير ) عن عصابات قامت في هذه الفترة بغرض السطو علي المقابر الملكية في طيبة

فلقد سادت شائعات أيام حكم الملك رمسيس التاسع ( من الأسرة العشرين ) عن سرقة مقابر الملوك

و أن عمال الجبانة و موظفيها قد أضحوا لصوصاً للمقابر طمعاً في الربح و الثروة

و أنتشر الفساد في البلاد و جعل ينخر في عظامها و ينهك خزائنها


تهمة .. لم تثبت إلي الآن
----------------------------


أستغل حاكم القسم الشرقي لطيبة خصومته مع حاكم القسم الغربي , و أرسل بلاغاً للوزير عن السرقات , حينئذ أمر الوزير بإرسال لجنة للتحقيق في الأمر و قبض علي بعض من صغار الموظفين و قدموا للمحاكمة

إلا أن حاكم القسم الشرقي لم يقتنع بتلك النتيجة , بل كان يتهم حاكم القسم الغربي بأشتراكه شخصياً في السرقات , و أنه حاول أن يغطي موقفه أمام اللجنة التي أرسلها الوزير بتسليمها بعض صغار الموظفين ككبش فداء

فكتب حاكم القسم الشرقي مرة أخري للوزير تقريراً ضمنه أتهاماته , فأمر الوزير بعقد المحكمة الكبري في قاعة العدالة بطيبة و كانت تتألف من الوزير ( بصفته كبير القضاة ) , ثم طرفي الإتهام و الإدعاء و كاهنين كبيرين هما الكاهن الأكبر لمعبد رمسيس الثالث في مدينة هابو , و أثنين من الموظفين من ذوي الرتب العسكرية الكبيرة

و علي الرغم من ذلك لم تثبت إدانة حاكم القسم الغربي .. و لم تثبت عليه التهمة إلي وقتنا هذا

-------

الهجرة إلي الدير البحري
-----------------------------

و لكن السرقات لم تنقطع , فبعد ذلك بثلاث سنوات سرقت مقابر الملوك في وادي الملوك و قبض علي ستين متهماً من عتاة المجرمين , و أدينوا ..و لم يكونوا هذه المرة من الفقراء بل كان بينهم أحد كهنة آمون و كاتب خزينة آمون , و كاهن معبد خنسو ( كلمة تعني : القمر ) و كان معبد المعبود سبك ( التمساح ) و غيرهم من العاطلين الذين قاموا بسرقة خزينة معبد الملك رمسيس الثالث إلي جانب نهب مقابر الملوك



(المعبودة خنسو ( ربة القمر ) و المعبود سبك ( التمساح




و وسط الحالة الإقتصادية المتردية التي عمت البلاد ... لم يستطع رجال الأمن أن ينقذوا المقابر من مصيرها المحتوم , ففكر الملوك الكهنة ( زمن الأسرة الحادية و العشرين ) في إنقاذ جثث الملوك علي الأقل , فجمعوها بعد أن فُتحت مقابرها و أنتهكت من قبل رغم محاولة إخفاء معالمها في جبل طيبة الغربية

و أختاروا لها حفرة عميقة في موقع غير بعيد عن وادي الملوك يعرف حالياً بأسم ( الدير البحري ) و أستقرت فيه جثث الملوك ... سقنن رع , أحموسي , أمينوفيس الأول , تحتمس الثاني , و الثالث , و رمسيس الأول و سيتي الأول و رمسيس الثاني و الثالث


(معبد حتشبسوت ( الدير البحري

و حفظت في مكانها حتي كشف عنها النقاب أحفاد هؤلاء الملوك عام 1871 م .. و أمتدت أيديهم إليها , ينتزعون منها ما يمكن عرضه بأثمان باهظة ليباع في تجارة الآثار

و أحتفظت تلك العائلة التي أكتشفت تلك الآثار بالسر حتي وصلت أخبارها إلي الحكومة المصرية عام 1881 م نتيجة خلاف بين أفرادها علي توزيع الغنيمة , ثم نقلت المومياوات و ما تبقي من الآثار غير المهربة إلي المتحف المصري في إحتفالية كبيرة

-------------------------



المصادر :

1- كتاب صفحات مشرقة من تاريخ مصر

2-
Turin Papyrus from Ancient Egypt

3-
Workmen at Thebes in the Ramesside Period.


-------------------



على باب الله

Developer

Cras justo odio, dapibus ac facilisis in, egestas eget quam. Curabitur blandit tempus porttitor. Vivamus sagittis lacus vel augue laoreet rutrum faucibus dolor auctor.