الديموقراطية للمبتدئين

by Saturday, April 16, 2011 2 تعليقات

الشعب يريد ديموقراطية حقيقية .. يبدو هذا منطقياً و لكن الديموقراطية في ذاتها لعبة لم نعتادها ، و لم نمارسها بشكل فعلي لأكثر من نصف قرن و هي على بديهيتها لا تخلوا من القوانين مثل أي لعبة أخرى . خذ موظف حكومي مصري إلى ملعب كرة السلة و قل له " إلعب " .. حسناً هو في الغالب يعرف أن الغرض الرئيسي هو أن يرمي بالكرة لتمر من الحلقة .. هذا صحيح بالطبع و لكن هنالك مجموعة كبيرة من القوانين تحكم اللعبة لا يعرف عنها شيئاً ، و الغرض من هذه المقدمة السخيفة و المملة هو أن مشكلتك الأساسية حين تبدأ ممارسة لعبة جديدة ليس مجرد التغلب على خصمك و لكنه بالأحرى التغلب على جهلك باللعبة نفسها ، و على نفس النغمة يبدو أن مشكلة الديموقراطية للمبتدئين هي الديموقراطية نفسها


بمعنى أنك تسمع أن أحد أقطاب السلفيين يعترض على تولي القبطي و المرأة منصب الرئاسة و يصرخ قطب أخواني آخر منادياً بالحفاظ على المادة الثانية من الدستور و يعتبرها مادة " فوق دستورية " و يؤمن على كلامه بأسلوب لا يخلو من المنطق قائلاً أن الأغلبية المسلمة لا يجب أن تتخلى عن حريتها لصالح الأقلية .. و يردد الكثيرين مقولة تبدو منطقية جداً تنادي بوجوب طاعة الأقلية لرأي الأغلبية .. فتقول لنفسك : حسناً هذه ديموقراطية لا شائبة فيها


لنفترض أن 80% من المصريين قرروا عبر إستفتاء شعبي نزيه أن أهالي النوبة ( بيمشوا كده يتمختروا في الشارع .. و مش عاجبهم حد ) و لذلك يجب علينا أن نأخذهم كلهم و نرميهم في البحر ، هذه ديموقراطية سليمة شارك الشعب كله في صياغتها و لكنها في الحقيقة ليست كذلك بل هي ما نسميه ( ديكتاتورية الأغلبية ) و هي وسيلة جديدة لفرض رأي متطرف و مناف لأبسط حقوق الإنسان ( و هو الحق في الحياة بأمان )   عبر قنوات تبدو شرعية و ديموقراطية و هنا تصبح مجرد فكرة الإستفتاء ذاتها باطلة و نتائجه كذلك 


ديكتاتورية الأغلبية : هو الحصان الذي تراهن عليه أغلب التيارات الفاشية و تيارات الإسلام السياسي ، و هو إختذال مُخل للديموقراطية في شكل ( صندوق الأصوات ) و الإدعاء الباطل بوجوب طاعة الأقلية لأوامر الأغلبية التي أقرتها صناديق الإنتخاب و عدد الأصوات ، حتى لو تعارضت النتائج مع أبسط حقوق الإنسان ،و تتحول آليات الديموقراطية المستخدمة إلى وسيلة لحشد أصوات قبليات و طوائف و أعراق تحاول أن تفرض رأيها بقوة الشرعية الديموقراطية و لو تعارض مع مباديء المساواة و الحرية


المواد " فوق الدستورية " هي مواد بديهية نعرفها بشكل بسيط من تعريف الديموقراطية نفسه .. فالديموقراطية هي الوسيلة التي تستهدف تمكين الشعب لأن يحكم نفسه بنفسه . لكنها تفترض - كما قلنا - وجود قانونان أو قيمتان أساسيتان لا يمكن إغفالهما و هما ( الحرية و المساواة ) بدونهما لا تعود بعد الفكرة و الوسيلة محل التحليل ديموقراطية
فالديموقراطية التي لا تقر و بوضوح أن مواطنيها جميعاً سواء على إختلافاتهم العرقية و الجنسية و الدينية و الفكرية ، لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات هي ليست ديموقراطية من الأساس .. و تلك التي لا تقر و بوضوح حرية مواطنيها - بمبدأ أنت حر ما لم تضر - و تضمن لهم حرية الرأي حتى لنقدها هي شخصياً لا تعود بعد ديموقراطية

-------
هوامش : الصورة من هناك 


 موسيقى : الدور الأول - هودج

على باب الله

Developer

Cras justo odio, dapibus ac facilisis in, egestas eget quam. Curabitur blandit tempus porttitor. Vivamus sagittis lacus vel augue laoreet rutrum faucibus dolor auctor.