(حاسَّةٌ الشَّمّ ( قصة قصيرة
جلسنا على طرف الفراش الوَثِير الذي ورثته أمي عن جدتي ثم أورثتني إياه حين ماتت مكسواً بملاءة بيضاء مُزَرْكَشَة و مِخَدَّة قُطنيّة واحدة . و كان هذا هو كل ما ورثته عنها بعد نِزَاع طويل مع إِخْوَتي الخمسة و زوجاتهم بدأت بشائره في غُرَف النوم و طُرُقَات المنزل القديم ثم لم يلبث أن أمتد بنا إلى أرصفة الشوارع و ساحات القضاء ، نِزَاعٌ تفسَّخت على خلفيته أحبال مودتنا الواهية فاِنْقَطَعْتُ عنهم و اِنْقَطَعَوا عني ، و لكني أبداً لم أحزن أو أندهش لهذا الجفاء فالمرأة التي كانت تجمعنا بالأمس فتمسك بأجزائنا تلك المُضَادَّةٌ الثائرة و تربط أطرافنا و مَفَاصِلُنا في نَسِيج واحد ، اليوم قد واريناها التُّرَاب فاِنْفَكَّت مَسَامِير المركب و نَجَا كُلٌّ مِنا حاملاً فوق كتفيه ما أستطاع أن يحمل ، ذاهباً إلى حال سبيله عازماً ألا ينظر إلى الوراء
مالت بجِزْعها نحوي و تَوَسَّدْت صدري العاري ، تجعد شعرها الأسود ، عجنته حَبَّات العرق و المجهود الذي بذله كِلانا فمَلَّست عليه بأناملي أُرَوِّضُ خصلاته الجانحة و أستمتع بدغدغاته الخفيفة لراحة يَدِي ، تتفتح مسامي لها ، أضمها إليَّ بقوة أكبر ، تستسلم هي فتعيد ترتيب مواضع عظامها لتلائم حضني ، تذوب روحها بين يديَّ تتغلغل إلى جوف آباري ، يعتريني دفء لذيذ و تشرق في صحرائي شمس جديدة
تتسلل إلى أنفي رائحتها ، أو - إن شئنا الدقة - روائحها .. ذلك المزيج العجيب ، الغير متجانس من الروائح الذي ينصهر فيها ليخرج كائناً جديداً له شخصية فريدة و قوام مميز
رائحة قطها الرمادي الذي يقف على باب شقتها رافعاً ذيله في كبرياء ليستقبلها ، و ربما ليعاتبها على تأخرها ثم يرمقني بعَيْنَانِ نَافِذَتَانِ تنضحان كراهية
يخمش باب غرفة نومها المُغلق بمخالبة الصغيرة فأزيد أنا من وتيرة دخولي و خروجي بين فخذيها نكاية فيه ، تنتشي هي إذ تصل إلى ذروة الجماع ، تفلت من بين شفتيَّ إبتسامة حين أدرك أنني أضاجع إمرأة لكي أغيظ قط
رائحة بيتها العجوز ، بجدرانه الحجرية الكبيرة و بهوه الفسيح الذي يستقبلك كعبد متوثب يستقبل سيده فيسلمك إلى السلم اللولبي بدرجاته الرخامية العريضة و درابزينه الخشبي الأملس ... ثلاثة و عشرون درجة ثم باب بيتها
تنتهي الدرجات الرخامية عند هذا الباب ، ثم تبدأ ألواح الخشب المُعَشَّق الباركيه ، قالت أن أرضية شقتها الخاصة هي منطقة صديقة للأقدام الآدمية ، الحفاء ضرورة داخل حدود بيتها ، أما إنتعال الأحذية أو حتى الجوارب فهو الكُفر بعينه ، " لا حرية للأقدام إلا على أرضية من خشب " قالت أن هذا هو أول بند من بنود ثورة التحرير التي وقعتها جماعة أصابع القدم الحُرة حين أحتفلت بيوم جلاء السيراميك و رحيل الملك شُرَاب الأول إلى منفاه غير مأسوفاً عليه
قالت أن الباركيه كلفها مبلغاً محترماً ، ضحكت و هي تتذكر المقاول و هو يبدي أسفه على بلاطات السيراميك الممتاز و هي تطلب منه أن يخلعها ليستبدلها بألواح الخشب الباركيه ، هو نوع نادر في جودته لم تعد المصانع تنتجه الآن ، خسارة كبيرة ، فلتعيدي التفكير في الأمر مرة أخرى يا هانم .. و لكن رجاؤه إنكسر على صخرة عِنادها
---
رائحة الخوف ، خوفها الكامن بين ضلوعها منذ أن عادت يوماً من المدرسة و لم تجد البيت .. لوهلة ظنت أنها أخطأت الشارع ، ربما أخذها الحديث مع صديقاتها فسارت يميناً حيث كان يجب أن تذهب يساراً .. ربما إلى الآن لا يزال بيتها القديم قائماً لم يتهدم و لا تزال أمها تجدل شعر أختها الصغيرة في ضفيرة ..تترك القٌلة القناوي على حافة الشباك و تنفض السجاجيد في الصباح و تفوح من جلبابها المنزلي رائحة زيت التقلية
خوفها من عمها و ملامحه الحادة الصارمة ، من زوجة عمها التي أستقبلتها في بيتها لأول مرة ببرود
تأكلين كالخنزير و من يراكِ على نحافتك تلك يظن أننا نمنع عنكِ الطعام
تتحاشى النظر إلى زوجة عمها و كأنما لا يعنيها الكلام في شيء ، تبتلع اللقمة بصعوبة فتستقر في أحشائها كقطرات الزِئْبَق
تتكور حول نفسها على الفراش حين تسمع صرير الباب ، تغلق عينيها في قوة و هي تشعر بأنفاس عمها الكهل تقترب من جسدها الدقيق الضامر فتلفح وجنتيها بحرارتها ، تتوتر عضلاتها و هي تشعر بغطائها و هو ينسحب من فوقها كاشفاً عن ساقيها العاريتين ، تتسارع أنفاث عمها و هو يمرر يديه على جسدها النحيل و يبتلع ريقه في شهوة حيوانية .. تحاول أن تفكر في أشياء مبهجة ، أشياء جميلة .. لا تسعفها ذاكرتها .. فتبدأ في مراجعة الدروس المدرسية مرة أخرى في عقلها ، تتقلص عضلات بطنه و ظهره ، يضاجعها بعنف ، يهرب هو من جسد زوجته المترهل في ذلك الجسد الطفولي المتماسك ، و تهرب هي منه فتدخل بعقلها إلى فصلها المدرسي ، إلى حصة الرياضيات حيث تقف أبله ( ماري ) أمام السبورة الخضراء ، تُعَدِّل من وضع عدسات نظارتها الغليظة فوق أنفها و هي ترسم على السبورة أشكالاً هندسية و مسائل حسابية
تلتفت فتواجه صدر الفصل ، ترفع مسطرتها الخشبية ثم تقرع بها على سطح المكتب عدة مرات
" ... و هي تصرخ بصوت جهوري قائلة : " بنات
يرتج جسدها الصغير مع جسده و هو يدخل و يخرج في مؤخرتها فيما تجتر هي علومها المدرسية .. يتعالى لهاثه و تتقطع أنفاسه .. تحرقها مؤخرتها تود لو صاحت فيه أن يكف و لكنها لا تتحرك و لا تفتح عينيها ، تنفر عروقه و يخرج صوتاً مكتوماً من حنجرته كالحَشْرَجَة
س2: مساحة متوازي الأضلاع = مساحة المربع = 13 × 13 = 169 سم2 "
" طول القاعدة = 169 ÷ 10 = 9‚16 سم
" طول القاعدة = 169 ÷ 10 = 9‚16 سم
----
رائحة الصابون السائل المميز التي تفضله ، المُعَطَر برائحة التفاح , لسبب ما تعشق رائحة التفاح ، ربما لهذا لم تمانع حين أطلق عليها زبائن الكافيه و العاملين فيه لقب " تفاحة " ، أحياناً تكره الكيفية التي ينطق بها البعض هذا الإسم ، لكن المشكلة لم تكن أبداً في الإسم ذاته
رائحة الفوتيل الجلدي الضخم ، في ركن الكافيه حيث تجلس كل يوم ، يكشف مجلسها اليومي جميع أركان الكافيه فيحتل الطرف المقابل للمطبخ يفصل بينهما أثنى عشرة طاولة هي السِعة الكاملة للكافيه ، تتميز طاولتها الخاصة بإرتفاعها عن بقية الطاولات ، تحتل ركناً مرتفعاً من الأرضية فتصعد إليه عبر ثلاثة درجات ، أعجبها هذا ..أن يكون في طلبها نوع من أنواع الصعود و الإرتقاء ، من هنا يمكنها أن ترى الجميع ، يتطلع إليها الراغبون تتجاهل أكثرهم و تنتقي منهم من تحب ، لا لم يكن صاحب الكافيه قوادها ، خبرت القوادين لفترة ثم أكتشفت أن ما يقدمونه من حماية هو كأي سلعة أخرى .. معروض للبيع في الفاترينة ، في إنتظار من يدفع أكثر
تعمل وحيدة ، لكن ثمة إتفاق بينها و بين صاحب الكافيه أطلعها عليه منذ اليوم الأول ، داعب بأنامله الممتلئة أطراف لحيته الطويلة ثم غمغم بعض كلمات و هو يخرج سبحته من جيب جلبابه الأبيض ، علقها في معصمه و جرت أصابعه تداعب خرز الجزء المتدلي منها .. قال بصوته المتهدج : ما بيننا هو عقد إيجار غير مكتوب ، أؤجر لكِ ركناً من الكافيه نظير إيجار شهري ثابت ، أما ما دون ذلك فليس لكِ عندي شيء
تبتسم حين تدرك أن قيمة ذلك الإيجار الشهري الثابت الذي تدفعه في هذا الركن الصغير يدفعه البعض نظير إيجار قصر كامل
رائحة زوجها الأول ، تسميه السباك ، تذكره دائماً بالفانلة الداخلية البيضاء و بنطال البيجاما ، تذكر رأسه الأصلع و شنبه الكث ، تعلق بها رائحة عرقه الدهني اللزج ، تستوطنها ، تأبى أن تتركها حتى بعد مرور كل هذه السنوات . عبثاً تفرك جسدها بلوفة الإستحمام لكن الرائحة لاتزال هناك .. ضاربة بجزورها إلى منابت الروح و خُلاصة النخاع .. تذكر إلتماع عينيه و هو يتفحص جسدها أمام باب المدرسة ، يتبعها على دراجته القديمة القذرة في الطريق ، تذكر حديثه مع زوجة عمها و هو منهمك في تسليك بالوعة المطبخ ، تلاحظ حبوره حين يعلم أنها يتيمة . في الليلة التي تسبق ليلة عرسها ضاجعها عمها مرتين ، في الثانية خارت قواه ، خذله جسده العجوز فداهمه الفشل ، في ثورة غضبه زغدها بعنف في بطنها ثم رفع بنطال بيجامته و تركها ، أما هي فكانت بعيدة عنه ، غارقة في أحلام الخلاص ، الفرار من هذا البيت هو عين الخلاص . بعد الزفاف إكتشفت أنها الزوجة الثانية ، ضرتها دميمة كقرد ، شعرها خشن متجعد كغابة من الأسلاك الشائكة ، شفتاها غليظتان ، بشرتها سوداء جافة .. كالحة ، تحترف فنون الردح و الشجار ، تحب الخناقات و تستمتع بها أيما إستمتاع ، لو مر عليها يومان بلا شجار مع أحدهم يصيبها المرض ، أخبرها السباك أنه تزوجها من أجل أموالها ، كل شيء هنا ملكاً لها ، حتى هو نفسه ، تلاشت أحلام الخلاص مع الوقت لم يبق منها إلا رائحة عرق السباك و شراسة ضرتها القرد . إنقطعت عن المدرسة و ألتصقت بالبيت ، خادمة للقرد نهاراً و للسباك ليلاً ، مقارنةً بحالها الجديد كان بيت عمها جنة الخلد ، حاولت الإنتحار أكثر من مرة ، سكبت على جسدها صفيحة الجاز و أشعلت عود ثقاب لكن الجيران تكالبوا عليها ، يظن الأغبياء أنهم يقدمون لها خدمة ، قفزت من فوق السطح ، لطمتها الأرض الإسفلتية ، أظلمت الدنيا فظنت أنه الخلاص ، لكنها أفاقت في المستشفى ملفوفة في ألواح الجبس و الشراشف البيضاء ، خرجت من المستشفى إلى الشارع و لم تعد أبداً إلى بيت السباك و القرد
رائحة الفوتيل الجلدي الضخم ، في ركن الكافيه حيث تجلس كل يوم ، يكشف مجلسها اليومي جميع أركان الكافيه فيحتل الطرف المقابل للمطبخ يفصل بينهما أثنى عشرة طاولة هي السِعة الكاملة للكافيه ، تتميز طاولتها الخاصة بإرتفاعها عن بقية الطاولات ، تحتل ركناً مرتفعاً من الأرضية فتصعد إليه عبر ثلاثة درجات ، أعجبها هذا ..أن يكون في طلبها نوع من أنواع الصعود و الإرتقاء ، من هنا يمكنها أن ترى الجميع ، يتطلع إليها الراغبون تتجاهل أكثرهم و تنتقي منهم من تحب ، لا لم يكن صاحب الكافيه قوادها ، خبرت القوادين لفترة ثم أكتشفت أن ما يقدمونه من حماية هو كأي سلعة أخرى .. معروض للبيع في الفاترينة ، في إنتظار من يدفع أكثر
تعمل وحيدة ، لكن ثمة إتفاق بينها و بين صاحب الكافيه أطلعها عليه منذ اليوم الأول ، داعب بأنامله الممتلئة أطراف لحيته الطويلة ثم غمغم بعض كلمات و هو يخرج سبحته من جيب جلبابه الأبيض ، علقها في معصمه و جرت أصابعه تداعب خرز الجزء المتدلي منها .. قال بصوته المتهدج : ما بيننا هو عقد إيجار غير مكتوب ، أؤجر لكِ ركناً من الكافيه نظير إيجار شهري ثابت ، أما ما دون ذلك فليس لكِ عندي شيء
تبتسم حين تدرك أن قيمة ذلك الإيجار الشهري الثابت الذي تدفعه في هذا الركن الصغير يدفعه البعض نظير إيجار قصر كامل
رائحة زوجها الأول ، تسميه السباك ، تذكره دائماً بالفانلة الداخلية البيضاء و بنطال البيجاما ، تذكر رأسه الأصلع و شنبه الكث ، تعلق بها رائحة عرقه الدهني اللزج ، تستوطنها ، تأبى أن تتركها حتى بعد مرور كل هذه السنوات . عبثاً تفرك جسدها بلوفة الإستحمام لكن الرائحة لاتزال هناك .. ضاربة بجزورها إلى منابت الروح و خُلاصة النخاع .. تذكر إلتماع عينيه و هو يتفحص جسدها أمام باب المدرسة ، يتبعها على دراجته القديمة القذرة في الطريق ، تذكر حديثه مع زوجة عمها و هو منهمك في تسليك بالوعة المطبخ ، تلاحظ حبوره حين يعلم أنها يتيمة . في الليلة التي تسبق ليلة عرسها ضاجعها عمها مرتين ، في الثانية خارت قواه ، خذله جسده العجوز فداهمه الفشل ، في ثورة غضبه زغدها بعنف في بطنها ثم رفع بنطال بيجامته و تركها ، أما هي فكانت بعيدة عنه ، غارقة في أحلام الخلاص ، الفرار من هذا البيت هو عين الخلاص . بعد الزفاف إكتشفت أنها الزوجة الثانية ، ضرتها دميمة كقرد ، شعرها خشن متجعد كغابة من الأسلاك الشائكة ، شفتاها غليظتان ، بشرتها سوداء جافة .. كالحة ، تحترف فنون الردح و الشجار ، تحب الخناقات و تستمتع بها أيما إستمتاع ، لو مر عليها يومان بلا شجار مع أحدهم يصيبها المرض ، أخبرها السباك أنه تزوجها من أجل أموالها ، كل شيء هنا ملكاً لها ، حتى هو نفسه ، تلاشت أحلام الخلاص مع الوقت لم يبق منها إلا رائحة عرق السباك و شراسة ضرتها القرد . إنقطعت عن المدرسة و ألتصقت بالبيت ، خادمة للقرد نهاراً و للسباك ليلاً ، مقارنةً بحالها الجديد كان بيت عمها جنة الخلد ، حاولت الإنتحار أكثر من مرة ، سكبت على جسدها صفيحة الجاز و أشعلت عود ثقاب لكن الجيران تكالبوا عليها ، يظن الأغبياء أنهم يقدمون لها خدمة ، قفزت من فوق السطح ، لطمتها الأرض الإسفلتية ، أظلمت الدنيا فظنت أنه الخلاص ، لكنها أفاقت في المستشفى ملفوفة في ألواح الجبس و الشراشف البيضاء ، خرجت من المستشفى إلى الشارع و لم تعد أبداً إلى بيت السباك و القرد
---
فيما تفكر ؟ -
يرجعني صوتها إلى غرفة نومي مرة أخرى ، إلى فراش أمي .. إلى رأسها المتكيء على صدري ، أجيبها مبتسماً
في حاسَّةٌ الشَّمّ -