لطالما تعجبت من المنظور الذي حاولت مجموعة كبيرة من أفلام الخيال العلمي تقديمه لنا حول تصورها لشكل و هيئة إنسان المستقبل أو القادم من كواكب أخرى أكثر تحضراً من كوكبنا ، حيث تظهر مجموعات من الرجال و النساء المستقبليين دائماً بيونيفورم و زي موحد .. ربما في إشارة إلى أنهم قد حققوا أعلى درجات السلام و التوافق فيما بينهم إلى أن إقتنعوا جميعاً بذلك اليونيفورم - الذي دائماً ما يبدو بشعاً - و قرروا جميعاً أن يرتدوه
أو ربما كانت إشارة إلى أن ( إنسان المستقبل ) لديه ما هو أهم من مجرد التفكير فيما إذا كان سيرتدي الكرافتة المشجرة أم السادة ، إنه يفكر دائماً في أشياء أعظم و أهم
---
في الحقيقة هذه نظرة غبية للمستقبل ، فالتوافق الكامل الجامع الشامل لم و لن يتحقق أبداً ، لن يتفق البشر جميعاً على شيء واحد كبيراً كان أو تافهاً ، انظر حولك ، الطبيعة نفسها تقوم على الإختلاف و التباين و التنوع ،كما أن التعايش و قبول الآخر يُثري المجتمعات الإنسانية أكثر بكثير من مجرد الإجماع الكامل على شيء ما
---
تشترك الدول الدكتاتورية مع الدول الدينية في كثير من الصفات و الأعراض ، فالله- في الدولة الدينية - هو الدكتاتور الغائب ، و رجال الدين هم وكلاؤه على الأرض
كليهما لديه تصور واحد للمواطن المثالي ، و هو عود الكبريت .. عيدان الكبريت متماثلة في الشكل و الخامة و المضمون و الإستخدام .. هكذا يحبها الدكتاتور و وكلاء الله على الأرض ، يريدونها مُنقبة و يريدونه شيخاً يريدونه مواطناً مؤمناً ( بكلامهم و دينهم هم ) ، موالياً للحكومة يردد ما تقوله كالببغاء
المواطن المثالي هو الذي لا يختلف ، لأن الإختلاف مرفوض بأمر من الحاكم أو من الله
عيدان الكبريت أيضاً سريعة الإشتعال ، و هو شيء شديد الأهمية .. فعيدان الكبريت الدينية سلاح فائق القوة في أيدي وكلاء الله على الأرض يشعلونها في وجه من يهددهم و يهدد أمنهم .. و من يختلف معهم أو يعارضهم ، كما أن عيدان الكبريت الدكتاتورية سريعة الإشتعال يجب أن تتوحد ضد عدو ما لتحرقه و إلا أحرقت دكتاتوريتها الخاصة
لذلك نلاحظ أن الخطاب السياسي في الدول الدينية و الدكتاتورية هو خطاب تعبوي ، مُهيج للجماهير بالأساس ، يختلق أعداءاً إن لم يجد من يعاديه و يريد أن يُجبر البشر على توافق مُعين بالإكراه و دون أن يمنح الإنسان أي خيارات أو تصورات مُغايرة
فإما أن تكون على ديننا أو تكون من الكفار .. لنجعل حياتك جحيماً ، و إما أن تكون موالياً للحكومة أو نرميك في أقرب مُعتقل
--
مع وفرة المواطنين سريعي الإشتعال في مجتمعاتنا العربية كنتيجة لسيل الخُطب الدينية و السياسية المليئة بالكراهية و رفض الآخر و تكفيره تلاشت حاجتنا إلى الإرهابيين التقليديين فالجميع على إستعداد لأن يصبح واحداُ حين يحك الوالي أو الشيخ رأسه في الطرف الخشن من علبة الكبريت
منذ فترة لم نسمع عن أعمال إرهابية قام بها إرهابيين في مصر ، فحرق بيوت الأقباط و متاجرهم في فرشوط و بهجورة و قتلهم في نجع حمادي و قبلها كان حرق منازل البهائيين في الشورانية ، كلها أعمال إرهابية تطوع رجل الشارع العادي بمهمة تنفيذها
منذ فترة لم نسمع عن أعمال إرهابية قام بها إرهابيين في مصر ، فحرق بيوت الأقباط و متاجرهم في فرشوط و بهجورة و قتلهم في نجع حمادي و قبلها كان حرق منازل البهائيين في الشورانية ، كلها أعمال إرهابية تطوع رجل الشارع العادي بمهمة تنفيذها
رجل الشارع العادي سريع الإشتعال هو التطور الطبيعي للإرهابي بنسخته القديمة .. أبو جلابية بيضاء و حزام ناسف .. هل تذكرون تلك الأيام ؟ ... يا الله .. كم كانت أياماً جميلة
---
الناس الرايقة
---