رفع عصاه في وجه الريح فهدأت الأصوات و سكن الضجيج , ساد صمت محفوف بالترقب لم يشقه إلا صرخة رجل من بين الجمهرة يرفع رضيعاً بين يديه إلى السماء و يقول
" يا نبي الله نوح ، زاهد أنا في الحياة ، لكن خذ صغيري معك إلى فُلك النجاة فهو بريء "
بانت على نوح إمارات التأثر ، تجهم الوجه العجوز و إرتعشت اللحية البيضاء .. غاصت في وجهه التجاعيد و ألتمعت عيناه بندى دمع وليد
" يا أحباء ... قد إمتلأ الفُلك عن آخره "
صِحتُ بصوت مشروخ :
" و نحن يا نبي الله ... إلى أين نذهب طلباً للنجاة ؟ "
" قال : " المجد لكم .. أنتم الذين طَمَسَ الله أسمائكم
------
ذهبنا إلى مكتب الهجرة الذي أوصانا به صديقي البريء ، قابلتنا سيدة أنيقة
" طلباتكم ؟ "
" موضع قدم .. في فُلك نوح "
" و مؤهلاتكم ؟ "
" صيدلي و مهندس ... على باب الله "
" فرصتكم ضعيفة جداً ... لا أخفيكم سراً أيها الأحباء .. قد إمتلأ الفُلك عن آخره "
: قال صديقي و هو ينفث دخان الشيشة في الهواء
" يبقى أملنا في الزواج من أجنبية "
" يبقى أملنا في الزواج من أجنبية "
" قلت : " المجد لنا
" قال : " أنت تهذي
" قلت : " المجد لنا ... نحن الذين طَمَسَ الله أسمائنا
-------------
قصيدة ... مقابلة خاصة مع ابن نوح
( أمل دنقل )
! جاء طوفانُ نوحْ
المدينةُ تغْرقُ شيئاً.. فشيئاً
، تفرُّ العصافيرُ
والماءُ يعلو
على دَرَجاتِ البيوتِ
- الحوانيتِ -
- مَبْنى البريدِ -
- البنوكِ -
- (التماثيلِ .. (أجدادِنا الخالدين -
- المعابدِ -
- أجْوِلةِ القَمْح -
- مستشفياتِ الولادةِ -
- بوابةِ السِّجنِ -
- دارِ الولايةِ -
. أروقةِ الثّكناتِ الحَصينهْ
.. العصافيرُ تجلو
.. رويداً
.. رويدا
، ويطفو الإوز على الماء
.. يطفو الأثاثُ
.. ولُعبةُ طفل
وشَهقةُ أمٍ حَزينه
! الصَّبايا يُلوّحن فوقَ السُطوحْ
. جاءَ طوفانُ نوحْ
هاهمُ "الحكماءُ" يفرّونَ نحوَ السَّفينهْ
المغنونَ- سائس خيل الأمير- المرابونَ- قاضى القضاةِ
(.. ومملوكُهُ ) -
حاملُ السيفُ - راقصةُ المعبدِ
(ابتهجَت عندما انتشلتْ شعرَها المُسْتعارْ)
- جباةُ الضرائبِ - مستوردو شَحناتِ السّلاحِ -
! عشيقُ الأميرةِ في سمْتِه الأنثوي الصَّبوحْ
. جاءَ طوفان نوحْ
. ها همُ الجُبناءُ يفرّون نحو السَّفينهْ
.. بينما كُنتُ
كانَ شبابُ المدينةْ
يلجمونَ جوادَ المياه الجَمُوحْ
. ينقلونَ المِياهَ على الكَتفين
ويستبقونَ الزمنْ
يبتنونَ سُدود الحجارةِ
عَلَّهم يُنقذونَ مِهادَ الصِّبا والحضاره
! علَّهم يُنقذونَ.. الوطنْ
.. صاحَ بي سيدُ الفُلكِ - قبل حُلولِ
: السَّكينهْ
"انجِ من بلدٍ.. لمْ تعدْ فيهِ روحْ "
: قلتُ
.. طوبى لمن طعِموا خُبزه
في الزمانِ الحسنْ
وأداروا له الظَّهرَ
! يوم المِحَن
ولنا المجدُ - نحنُ الذينَ وقَفْنا
(وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا)
.. نتحدى الدَّمارَ
ونأوي الى جبلِ لا يموت
(يسمونَه الشَّعب )
.. نأبي الفرارَ
! ونأبي النُزوحْ
كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ
كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ
يرقدُ - الآن - فوقَ بقايا المدينه
وردةً من عَطنْ
.. هادئاً
بعد أن قالَ "لا" للسفينهْ
! .. وأحب الوطن
--------
Music : With Wand'Ring Steps (recorder version)
ملحوظة : الراجل ده أكيد شايل اللوَّز
--
ملحوظة : الراجل ده أكيد شايل اللوَّز
--