المجد لنا ... نحن الذين طَمَسَ الله أسمائنا

by Wednesday, November 11, 2009 4 تعليقات



بخطوات متأنية مرتعشة خرج من بطن فُلكه العملاق , وقف متكئاً على عصاه يتطلع إلى الجمهور الغاضب الكبير الذي يحيط بفلكه من جميع الجهات ، جمهور لم يرى العالم القديم مثله تلامس بشائره قوائم الفُلك الخشبية و تمتزج أواخره بقرص الشمس الأحمر المذبوح على المروج الخضراء , ينذ دماً على إمتداد خط الأفق
رفع عصاه في وجه الريح فهدأت الأصوات و سكن الضجيج , ساد صمت محفوف بالترقب لم يشقه إلا صرخة رجل من بين الجمهرة يرفع رضيعاً بين يديه إلى السماء و يقول
" يا نبي الله نوح ، زاهد أنا في الحياة ، لكن خذ صغيري معك إلى فُلك النجاة فهو بريء "
بانت على نوح إمارات التأثر ، تجهم الوجه العجوز و إرتعشت اللحية البيضاء .. غاصت في وجهه التجاعيد و ألتمعت عيناه بندى دمع وليد
" يا أحباء ... قد إمتلأ الفُلك عن آخره "
صِحتُ بصوت مشروخ :
" و نحن يا نبي الله ... إلى أين نذهب طلباً للنجاة ؟ "
 " قال : " المجد لكم .. أنتم الذين طَمَسَ الله أسمائكم
------




ذهبنا إلى مكتب الهجرة الذي أوصانا به صديقي البريء ، قابلتنا سيدة أنيقة
" طلباتكم ؟ "
" موضع قدم .. في فُلك نوح "
" و مؤهلاتكم ؟ "
" صيدلي و مهندس ... على باب الله "
" فرصتكم ضعيفة جداً ... لا أخفيكم سراً أيها الأحباء .. قد إمتلأ الفُلك عن آخره "
 :   قال صديقي و هو ينفث دخان الشيشة في الهواء
"   يبقى أملنا في الزواج من أجنبية "
 " قلت : " المجد لنا
 " قال : " أنت تهذي
 " قلت : " المجد لنا ... نحن الذين طَمَسَ  الله أسمائنا


-------------


قصيدة   ... مقابلة خاصة مع ابن نوح
( أمل دنقل )


 ! جاء طوفانُ نوحْ
المدينةُ تغْرقُ شيئاً.. فشيئاً
 ، تفرُّ العصافيرُ
والماءُ يعلو
على دَرَجاتِ البيوتِ
- الحوانيتِ -
- مَبْنى البريدِ -
- البنوكِ -
- (التماثيلِ ..  (أجدادِنا الخالدين -
- المعابدِ -
- أجْوِلةِ القَمْح -
- مستشفياتِ الولادةِ -
- بوابةِ السِّجنِ -
- دارِ الولايةِ -
 . أروقةِ الثّكناتِ الحَصينهْ
 .. العصافيرُ تجلو
 .. رويداً
  .. رويدا
 ، ويطفو الإوز على الماء
 .. يطفو الأثاثُ
 .. ولُعبةُ طفل
وشَهقةُ أمٍ حَزينه
 ! الصَّبايا يُلوّحن فوقَ السُطوحْ
 . جاءَ طوفانُ نوحْ
هاهمُ "الحكماءُ" يفرّونَ نحوَ السَّفينهْ
المغنونَ- سائس خيل الأمير- المرابونَ- قاضى القضاةِ
(.. ومملوكُهُ ) -
حاملُ السيفُ - راقصةُ المعبدِ
(ابتهجَت عندما انتشلتْ شعرَها المُسْتعارْ)
- جباةُ الضرائبِ - مستوردو شَحناتِ السّلاحِ -
 ! عشيقُ الأميرةِ في سمْتِه الأنثوي الصَّبوحْ
 . جاءَ طوفان نوحْ
 . ها همُ الجُبناءُ يفرّون نحو السَّفينهْ
 .. بينما كُنتُ
كانَ شبابُ المدينةْ
يلجمونَ جوادَ المياه الجَمُوحْ
 . ينقلونَ المِياهَ على الكَتفين
ويستبقونَ الزمنْ
يبتنونَ سُدود الحجارةِ
عَلَّهم يُنقذونَ مِهادَ الصِّبا والحضاره
 ! علَّهم يُنقذونَ.. الوطنْ
.. صاحَ بي سيدُ الفُلكِ - قبل حُلولِ
 : السَّكينهْ
"انجِ من بلدٍ.. لمْ تعدْ فيهِ روحْ "
 : قلتُ
 .. طوبى لمن طعِموا خُبزه
في الزمانِ الحسنْ
وأداروا له الظَّهرَ
 ! يوم المِحَن
ولنا المجدُ - نحنُ الذينَ وقَفْنا
(وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا)
 .. نتحدى الدَّمارَ
ونأوي الى جبلِ لا يموت
(يسمونَه الشَّعب )
 .. نأبي الفرارَ
 ! ونأبي النُزوحْ
كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ
كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ
يرقدُ - الآن - فوقَ بقايا المدينه
وردةً من عَطنْ
 .. هادئاً
بعد أن قالَ "لا" للسفينهْ
 ! .. وأحب الوطن


--------



Music :  With Wand'Ring Steps (recorder version)
ملحوظة : الراجل ده أكيد شايل اللوَّز

--

على باب الله

Developer

Cras justo odio, dapibus ac facilisis in, egestas eget quam. Curabitur blandit tempus porttitor. Vivamus sagittis lacus vel augue laoreet rutrum faucibus dolor auctor.