كتب : عمرو إسماعيل-القاهرة
من المقولات الخاطئة التي يرددها البعض ربط العدل بالإحسان وأن النصاري والمسيحيين نعموا بحال جيد في ظلال الإسلام لهذا السبب, وهذه مقولة خاطئة لسبب واحد أن العدل والمساواة ليسا منة أو إحسان ولكنهما حق إنساني .. حق للمسلم مثلما هو حق للمسيحي أو أتباع أي دين آخر .. وهذا هو الإسلام الحق وليس أقوال بعض أتباعه الذين يعتبرون العدل والمساواة منة وإحسانا نمنحهما لغير المسلمين.
العدل والمساواة هما حق المواطن في أية دولة يحمل جنسيتها وليس منة أو إحسانا من أغلبية أو أقلية, سواء كانت دينية أو عرقية .. هو حق دافع عنه مارتن لوثر كينج سلميا في أمريكا ودفع حياته ثمنا لذلك, ولكن حلمه أصبح حقيقة قانونية ودستورية رغما عن تصرفات بعض الأفراد الذين مازالوا يحملون بذور التعصب هناك .. ولعل أوباما وقبله كوندوليزا رايس أكبر دليل علي ذلك.
وأنا من هذا المنطلق أدعو الأقباط والمرأة بالمشاركة السياسية والترشح لجميع المناصب, وأحث أي إنسان شعر بالغبن أو أنه ظلم نتيجة ديانته أو طائفته أو جنسه سواء كان مسلما سنيا أو شيعيا أو مسيحيا من أية طائفة .. أن يرفع قضيته إلي القضاء والإعلام وقوي المجتمع المدني داخليا وخارجيا.
هذه هي الطريقة للوصول إلي مجتمع المساواة والعدل سلميا, وأي قوة في المجتمع تري أن لها حقوقا يجب أن تكون قوة انتخابية ضاغطة وعندها سيسعي الجميع لإرضائها وهو ما فهمته جماعة الإخوان ولهذا هي تستغل الديموقراطية التي لا تؤمن بها.
وأنا والكثيرون لا يوافقون أن الدين والوطن لله كما يدعي بعض الإسلاميين بل إن الدين لله والوطن للجميع ومنا رئيس جمهوريتنا, لسبب وحيد أن الوطن به غير المسلمين بالملايين وغير السنة بالآلاف, ويجب أن يسعهم الوطن جميعا لأن هذا حق لهم وليس منه من أحد.
أنا لا أقبل العدل إحسانا من غير مسلم أو مخالف لي في الملة, ومن حقه أيضا نفس الشيء ..هذا الوطن هو ملكه تماما مثلما هو ملكي حتي لو كان إلهنا مختلفا .. العدل هو طريق ذو اتجاهين وهو حق وليس منة أو إحسان .. هو حق إنساني وليس ديني .
ومن هذا المنطلق أنا لا أخفي معارضتي للإخوان لأنهم يعتبرون أن المساواة إحسان من المسلم لغير المسلم, وأنه يعيش في كنف المسلم, رغم الحقيقة التي لا تحتاج إلي أي إثبات هي أن مصر وطن الآباء والأجداد للجميع للقبطي مثل المسلم تماما, وأن الجميع لهم فيها حقوقا متساوية بالتاريخ والدم, وهذه الحقوق ترتب عليهم نفس الواجبات, ورغم أنني أدعو في نفس الوقت أن يكون لهم حزب في العلن يلتزم بالقانون والدستور وآليات الدولة المدنية, ولا يلعب في الخفاء وعلي كل الأطراف, رغم إنني سأدعو إلي عدم انتخابهم .. أليست هذه هي الديموقراطية.
أحزاب متنافسة تحاول أن تثبت أن برامجها هي الأفضل .. هم يقولون الإسلام هو الحل وأنا أقول إن الدولة المدنية التي تستمد شرعيتها من الشعب وليس الله كما يدعون هي الحل .. الدولة التي تحترم كل الأديان وتعتبر أن الدين لله والوطن للجميع هي الحل.
هذه هي الديموقراطية, وليست كما يعتقد الإخوان بشعارهم السياسي . لسنا ضد الإسلام ولكننا ضد استغلاله سياسيا ووضعه في مواجهة أفكار سياسية وضعية وتعريضه للانتقاد .. إنهم أكثر من يسيئون للإسلام بفعلهم هذا لو كانوا يعلمون ..
الإسلام السياسي لم يكن أبدا حلا, بل كان المشكلة طوال تاريخنا الممتد أربعة عشر قرنا واللعب به كورقة سياسية كان السبب في إراقة دماء الملايين ولا يزال
رأيا سياسيا .. وهذه هي الديموقراطية, والإخوان يحاولون استغلالها فليتحملوا تبعة عملهم هذا .. فليتحملوا نقد الإسلام السياسي وكشف الحقائق التاريخية التي لا يستطيعون إنكارها ويحاولون إخفاءها .. إخفاء التنظيم السري وقتل النقراشي باشا ومحاولة قتل عبد الناصر .. وإخفاء أنهم كانوا يهتفون للملك فاروق وإسماعيل صدقي وكل عدو للديموقراطية وأن مؤسس جماعتهم كان يؤمن ويدعو في كل رسائله إلي الحزب الواحد .. مؤسس جماعتهم حسن البنا نفسه .. وأن منصب المرشد العام مستمر مدي الحياة والوفاة وحدها هي القادرة علي عزله ..ثم يطالبون الرئيس أن ينتخب لفترة محدودة .. أي تقية وانتهازية سياسية أكثر من ذلك
إنهم يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يقولون.
الديموقراطية تعني الدولة المدنية وآلياتها من فصل الدين عن الدولة وحقوق المواطنة للجميع بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو اللون والتداول السلمي والدوري للسلطة وحكم القانون المستمد من قيم العدل والمساواة بين البشر, واحترام حقوق الإنسان وأولها وأهمها حرية العقيدة والدين وحرية التعبير وعدم التحريض علي العنف وليس فقط ممارسته.
العدل والمساواة ليسا منة أو إحسان من دين لأتباع الأديان الأخري, ولكنه حق إنساني لأي مواطن, وأنا أعلنها صريحة وعالية .. أنني أرفص العدل من أي مخالف لي في الدين أو اللون إن كان منة أو إحسانا, ولكني أعتبره حقا لي مثلما هو حقا لغيري .. حقا أستحقه كمواطن وأنتزعه بهذه الصفة ولن أنتظر أن يحسن علي أي أحد وأدعو كل مواطني مصر بصرف النظر عن ديانتهم أو جنسهم .. نساءا كانوا أو رجالا .. إلي نفس الشيء .. إنه عصر المساواة وليس الإحسان .. العدل حق للجميع فلا تقبلوه إحسانا.