آخر من ينثر الذهب في مصر
حملت حفيدها , ذلك الطفل الصغير ذو الثلاثة أعوام علي كتفها و أسرعت الخطي عابرة البهو الكبير للقصر الملكي
فالخديوي في إنتظارها , و هي تكره أن تجعله ينتظر كثيراً
كانت تعرف القصر جيداً , فلقد أمضت أغلب سنين حياتها في جنباته , تعمل كوصيفة من الحاشية المقربة للملك
كانت تعرف جيداً كم شهدت هذه الجدران من المؤامرات و الدسائس .. الخيانة و البطولة
خطط الحرب التي وضعت للنصر .. و تلك التي وضعت للهزيمة
كان ذهنها عجوزاً .. و لكنه حاد .. علي قدر كبير من الذكاء
--
و صلت إلي غرفة الخديوي .. و بعدما وصلها الإذن بالدخول .. دلفت إلي داخل الغرفة و لم تنس أن تنحني أمام الخديوي في إحترام
: حياها الخديوي إسماعيل بتحية مقتضبة و وجه باسم .. و سألها
" ماذا تطلبين يا تمراز ؟ "
: قالت
" إنه حفيدي .. أبن أبنتي يا مولاي "
نظر الخديوي إلي الطفل الصغير الذي تحمله بين زراعيها - و الذي لم تنزل عيناه عن السماء منذ دخل الغرفة - و إبتسم
: ثم قال
" ماذا به ؟ "
: قالت ( تمراز ) جدة الطفل
" إن بصره لا ينزل عن السماء يا مولاي .. لإختلال في أعصابه "
" قال الخديوي ( و قد فهم ماذا تطلب ) : " لا بأس
ثم نادي علي خادمه و طلب أن يأتيه ببعض من بودرة الذهب
أخذها منه الخديوي و نثرها علي الأرض تحت أقدام الصبي .. فنظر الصبي إلي بودرة الذهب اللامعة علي الأرض و نزل من بين يدي أمه و جلس علي الأرض و جعل يلعب بالذهب
: نظر الخديوي إلي جدة الصبي و قال
" إصنعي معه أنت أيضاً هكذا .. فإنه لا يلبث أن يعتاد النظر إلي الأرض "
: إبتسمت ( تمراز ) و قالت بحكمة
" هذا دواء لا يخرج إلا من صيدليتك يا مولاي "
: ضحك الخديوي و قد أطربه رد ( تمراز ) الحكيم و قال
" تعالي إلي بالصبي وقتما تشائين .. لأصنع معه هكذا .. فأنا آخر من ينثر الذهب في مصر "
------------
لم يكن هذا الطفل الذي لا تنزل عينيه عن السماء .. إلا ليلعب بالذهب .. سوي أحمد شوقي
الشاعر .. أحمد شوقي .. أمير الشعراء
-------
في شهر نوفمبر الماضي حلت الذكري الخامسة و السبعين لرحيل أمير الشعراء أحمد شوقي و شاعر النيل حافظ إبراهيم
------
ملحوظة : القصة حقيقية .. و لكن العبد لله رأي أن ينقلها بشكل - إلي حد ما - أدبي
( و هي من مذكرات سكرتير أحمد شوقي التي أوردها في كتابه .. ( 12 سنة مع أمير الشعراء
---
---------