by
Saturday, April 21, 2012
0
تعليقات
Cinemania
الأقباط
المسيحية
ثورة
عشوائيات
قصة قصيرة
محاولات
هموم مصرية
وقت للإحتفال
يوتوبيا الجحيم
أجفلت حين سمعت صوت إطلاق النار . إرتعشت يدي فتركت شفرة ماكينة الحلاقة جرحا قطعيا صغيرا على رقبتي . أكملت حلاقة ذقني ، ذهبت إلى المطبخ ، فتحت برطمان البن و أخذت بعضا منه لأكبس الدم
" بالمعلقة مش بإيدك يا وله ، أيديك كلها صابون هتكرف على البن "
قالتها أمي و هي تجلس جلستها الأزلية فوق الكنبة فأجبتها دون أن أنظر إليها
" معلش يا أما "
خلعت الشبشب و رفعت ساقيها لتطويهما تحتها ثم إنزاحت إلى الوراء لتستند بظهرها إلى ظهر الكنبة و هي تقول
" ما تبص تشوف صوت الرصاص ده أيه حكايته ؟ "
ثم أعقبت بسرعة و قد رقت نبرة صوتها و رجعت إلى لسانها لكنته الصعيدية
" بس بقولك .. بص و الشيش موارب انا مش مستغنية عنك يا ولدي "
إقتربت من الشباك و فتحت ضلفتي الشيش نصف فتحة رأيت منها عربة نصف نقل تسير ببطء في بحر الشارع يقف فوقها أربعة رجال يرفع كل منهم رشاشا و يتناوبون أطلاق الرصاص في الهواء
" عالم غرباوية يا أما .. مش من المنطقة بس شكلهم بلطجية "
أعقبت بأرتياح
" طب الحمد لله ، كنت خايفة ليكونوا السلفيين و يطلعوا يبهدلونا "
أغلقت الشباك و دخلت غرفة نومي لأرتدي ملابسي
" ها يعملوا فينا أيه يعني ، قال أيش ياخد الريح من البلاط "
على باب الشقة سألتها
" مش عايزة حاجة أجيبهالك و انا راجع بالليل يا أما ؟ "
" سلامتك يا ولدي .. العدرا تحرسك "
----------
بدأت الحكاية مع بدء هوجة الثورة ، ذات يوم كنت سهرانا مع أبناء الحي في ما أسموه بعد ذلك باللجان الشعبية ننتظر البلطجية و الهاربين من السجون بالنبابيت و الأسلحة النارية و نرهف السمع لصففافير كتائبنا الأمامية تحذرنا من إقتراب الخطر . عندها أخبرني حسين السواق أن مرآة سيارته الجانبية قد سُرقت و أن ثمن المرآة الأصلية يفوق الخمسمائة جنيه ، و لأن صاحب السيارة رفض بخساسة متوقعة أن يساهم في ثمنها فأضطر حسين أن ينزل إلى سوق التوفيقية ليشتري مرآة أخرى بسعر أقل . أخبرني أن المرآة التي أشتراها كانت في الغالب مسروقة و أن خلع المرآة ليس صعبا إذ تركب مرايا الموديلات الحديثة في أماكنها بنظام التعشيق و بدون مسامير .. " لو معاك مفتاح .. توك .. المراية تطلع في أيدك "
بعد ذلك عرفت أن حسين السواق كان مخطئنا ، و أن أفضل وسيلة لل" توك" كانت بأستخدام سكين صغيرة كانت تستخدمها أمي لتقشير البطاطس ، ينزلق نصلها الرفيع المرن أسفل المرآة و " توك" المراية تطلع في أيدك .
كانت غلّة اليوم حوالي عشرة مرايات .تزيد أو تنقص قليلا ، و لكني على أيه حال كنت قد أتفقت مع احمد مرسيدس - و هو نفس البائع الذي أشترى منه حسين السواق مرآته - أن أبيعه غلّتي اليومية بخمسين جنيها
لم أكن أنظر إلى الموضوع تلك النظرة الفوقية التي يتقنها المثقفون و رجال الدين ، و إن كنت أظن أني مثقفا بعض الشيء ، صحيح أغلب زملائي في معهد الخدمة الإجتماعية كانوا يفكون الخط بصعوبة بالغة و ينفرون من القراءة إلا أني كنت أحب قراءة الروايات الرخصية التي تنام على أرصفة الشوارع أمام فرشة بائع الجرائد ، صحيح أيضا أن أغلبها كان يتكلم عن الضمير و يضع خطوطا واضحة تفصل بين الخير و الشر ، الصواب و الخطأ و هي جميلة في ذاتها لكنها غير صالحة لهذا العالم الذي أحيا فيه تماما كالأفلام هي جيدة للفرجة و لكنها مستحيلة التطبيق
لا أحيا حياة مزدوجة كمجرمي الأفلام فأمي تعرف كل شيء عن مهنتي الجديدة تماما كما تعرف أم سيد و أم عيسي و أم يونس بأنشطة أبنائهن إن سألتهن يجاوبونك ببراءة " بيأجروا مَكَن و يدوروا ينتشوا شنط و سلاسل الحريمات "
---------
في المساء أعود إلى الحارة ، أجلس مع محمد صديقي أمام ورشة الدوكو التي يعمل بها . فور أن يراني صبي القهوجي يبدأ في تجهيز كوب الشاي و رص حجر المعسل و غسل الشيشة بماء نظيف . يعلوا صواتا من شقة علي السُني ، في الدور الأرضي بالعمارة المواجهة لورشة الدوكو مباشرة . تصل إلي مسامعنا أصوات كركبة أثاث و قرقعة معدنية صاخبة و زعيق متبادل . يظهر أن علي السُني يضرب زوجته الجديدة .أنفث دخان حجر المعسل في صمت و لا أعقب . أن تكون مسيحيا في مصر يعني أن تتعلم ألا تحشر أنفك فيما لا يعنيك . هي القاعدة رقم واحد . كل الآراء حميدها و خبيثها تمر .. تُبتلع و لو على مضض . إلا رأي القبطي . حميده و خبيثه يعلق في الزور كالشوكة . هكذا علمتني الأيام بالطريقة الأصعب .
" علي السني يتحدى الملل "
يلفظها محمد بصعوبة و هو ينفث دخان الشيشة و يسعل من الضحك . أبتسم بدوري و أكلمه عن الموضوع الذي كان قد وعدني به
" متخافش ، انا ظبطت الدنيا "
أعتدل في جلستي و أسأله مستفسرا
" طب رسيني على الحوار علشان أبقى في النور "
أراح لَيّ الشيشة على الطقطوقة التي تتوسطنا و قال
" زي ما قلتلك .. العالم بتوع حملات مرشحين رئاسة الجمهورية بيوزعوا خمسين جنيه على كل ميكروباص يعلق البوسترات بتاعتهم . و انت عارف أن الميكروباصات علطول داخلة خارجة على ورشة الدوكو اللي محسوبك شغال فيها "
- " طب و بعدين ؟ "
أشار بيده قائلا
" ما انا جايلك في الكلام . أحنا يا سيدي هنستلم الميكروباص هنا في الورشة و نطلعه من الباب الوراني تقوم ناطط أنت فيه زي الشاطر و طيران على العالم بتوع حملات مرشحين الرياسة . تضرب عليه الستيكر بتاع أسم النبي حارسة المترشح و تاخد الخمسين جنيه و ترجع الورشة من الباب الوراني برضه يقوم العبد لله مقشر الستيكر و يشتغل على الميكروباص و يطلعه لصاحبه زي العروسة . و اللي يطلع من الشغلانة نقسمه بالنص "
تمددت على سريري و قد توردت وجنتيّ بالدماء و ركبتني الحماسة و جعلت أضرب الأرقام و أجمعها و أقسمها محاولا تقدير كم من المال سأجمع في الفترة القادمة. داهتمني خيالات سعيدة و أنا أسلم نفسي للنعاس . مشاريع تجارية و بيت جديد في منطقة نظيفة و ربما موتوسيكل صيني يوفر عليّ مصاريف المواصلات . سرى الخدر في عروقي فثملت بالأماني و وخم النوم و قلت لنفسي و انا على البرزخ الفاصل بين النوم و الوعي أن الوقت قد حان لأبحث بين بنات عائلتنا عن زوجة جميلة و مهاودة تريحني و ترعى أمي المريضة
-------------
Beirut - Gulag Orkestar