في مشهد من فيلم " درب الهوى " يستقبل محمود عبد العزيز ( القواد ) مديحة كامل ( الفتاة الجديدة الساذجة ) على مدخل شقة الدعارة حيث تخبره ببراءة إنها على إستعداد للعمل في أي مهنة طالما كانت شريفة ، فيشرح لها قائلا : " أنتي طالما نيتك سليمة أنتي تعملي اللي عايزاه و الحق على عبد الحق .. الحق على مين ؟؟ الحق على عبحق "
المصريين زي مديحة .. فيهم سِنة عبط و سذاجة ، و كانوا بيدوروا على إنتخابات شريفة بقالهم كتير .. و كانت نيتهم سليمة .. و الحق على حبحق
يُحكى أن بعض الأتراك و فلول المماليك من غير المصريين الذين ساء بهم الحال و إحترفوا الشحاذة كانوا يمدون أيديهم لابناء البلد من المصريين البسطاء قائلين بعنطزة كاريكاتورية " هات حسنة و انا سيدك "
---
مشكلة النخبة الثورية المصرية أنها ديكتاتورية بدون سلطة . المشكلة هنا - على غير المتوقع - ليس في كونها ديكتاتورية و لكن في كونها بدون سلطة تمارس من خلالها ديكتاتوريتها . النخب الثورية دائما ديكتاتورية ، فال "الشرعية الثورية" تنصب لنفسها سلطة فوق القانون العادي ( الغير عادل ) .. تكسره لتنسج على انقاضه قانونها الجديد ( العادل ).
الثورة في ذاتها فعل ديكتاتوري .. فرض لأمر واقع جديد و إستبدال سلطة فاسدة بسلطة شعبية .. بلطجة شعب غاضب .. و لذلك فالعبرة لم تكن أبدا بالثورة في ذاتها .. بل فيما يحدث بعد أن تنجح. هناك ثورات تدفع شعوبها إلى الأمام و ثورات تخسف بها الأرض .
--
و لأن الثورة فشلت أكثر من مرة في الوصول إلى السلطة لأسباب أهمها المجلس العسكري و تيارات الإسلام السياسي و غباء النخبة الثورية التي صارت تتدلل على الشعب بدون داعي . مع أن المثل الشعبي بيقول " دلع الفقارى يجيب المرارة "
"ثورة تنجح يعني أفتح القناة الأولى على التليفزيون ألاقي حد بيذيع بيانات ثورية و أشوف الثوار بتتنطط على الخلفية " ( من تويتر جيمي هود .. بتصرف )
الذي حدث في مصر هو نصف ثورة .. ثورة توقفت في نصف المشوار و راحت تبحث عمن يكمل لها باقي الطريق الذي كان من المفترض أن تقطعه بنفسها و لن يقطعه لها أحد بالوكالة أبدا .. ثورة تلهث وراء برلمان إخواني/سلفي لا يهمه سوى مصلحته ليقر لها قانون العزل .. و تهتف لمرشح إخواني لا يهمه سوى مصلحة الجماعة ليطهر لها مصالح الدولة .. و تترجى كلمة شرف/ وعد من فم مرشح رئاسي لتسير خلفه و يمتنع هو عن منحها .. المرحلة الإنتقالية نجحت في تحويل أسد الثورة إلى قطة مستأنسة تتمسح في ذيل بنطلون كل من يبسبسلها .
الثورة فشلت في فرض سلطتها بالدراع .. بالديكتاتورية الثورية . و فشلت أيضا في استثمار زخمها الثوري في كيان/حزب سياسي محترم قادر على المنافسة اللهم إلا كيان كاريكاتوري أسمه " تحالف الثورة مستمرة " بالبرلمان المُنحل . الثورة فشلت في إحتواء تيارات الإسلام السياسي ليكونوا أحد خيوط نسيجها الثوري و رضت أن تكون هي نفسها خيط في نسيج مشروع تيارات الإسلام السياسي البعيد تماما عن الوطنية و الطامح إلى مشروع خلافة إسلامية يبتلع الزخم الثوري بل و يبتلع حتى الوطن بأكمله فيعتبره مجرد ولاية من ولايات الخلافة . الثورة فشلت حتى في التوحد حول مرشح رئاسي واحد فكسّر المرشحين الثوريين عظام بعضهم البعض و خرجوا جميعا من السباق الرئاسي .
" اللعنة مخبوءة في التكرار " ( نجيب محفوظ )
إن لم يدرك الثوري أن ثورته لن تكتمل إلا به هو .. و به وحده و أن الحركتين بتوع التحرير فقدوا معناهم من كثرة التكرار مثل نكتة مونولوجست قديمة لم تعد تثير الضحك . إن لم يدرك أن التصعيد ضرورة لإستكمال الثورة فلا أمل عندها سوى أن تجلس بجانبي هنا لنسخر سويا من الجميع . فلم يبق لنا سوى الموت أو السخرية ..
" ليس لديك خيار .. إما ان تسخر منهم و إما ان يهزموك " البير قصيري - رواية العنف و السخرية